اختار أتيليه جدة لمعرضه الأخير الذي افتتحه المهندس طلال أدهم "حوارات جدلية" عنوانا، وهو العنوان الذي طرح أسئلة عن معناه، فاقتران الحوار بالجدل أضفى على كلمة حوار نفسها سمة الاختلاف المقرون بقابلية الفهم. "حوارات جدلية" تفترض مسبقا وجود قاعدة معرفية أو فنية تبنى عليها علاقات أعمال 7 من الفنانين المشاركين في المعرض هم عبد الله إدريس، فهد الحجيلان، نورا قابل، ريم الديني، هبة عابد، فهد النعيمة، وإحسان برهان، سواء كانت هذه العلاقات تشي بجدلية ما بين الأعمال في مكوناتها الفنية أو موادها أو موضوعاتها، أو تمنح فضاء للحوار فيما بينها. حوار وجدل، يعني وجود قيم تبادلية بين الأعمال المعروضة التي بلغ عددها سبعين لوحة، لكن منظم المعرض هشام قنديل يحيل إلى أن الجدل والحوار هو ذاتي وليس تبادليا "من هذا المنطلق نشاهد الذات الفنية في حالة من الحوار الدائم مع الذات الشخصية عند الفنان الحجيلان ومزاجيته المتفردة " وهو ما يؤكده عبد الله إدريس الذي كتب جميع أوراق البروشور المصاحب للمعرض فيصف الحجيلان بقوله" كينونة العمل الفني عند هذا الفنان في تقابل وتشاكل دائم وصيرورة تتوالد باستمرار" إن السؤال ما إذا كان عنوان المعرض فرض مثل هذه الاستنتاجات، هو سؤال إشكالي، فهل اختيرت اللوحات انسجاما مع العنوان أم اختير العنوان لينسجم مع اللوحات؟ في المعرض المستمر إلى ما بعد عيد الأضحى، لا توجد إجابة عن السؤال، فبعض المراقبين يرى أنه لا يشعر بهذه التوليدية عند ريم الديني التي يصفها إدريس بأنها " تقدم حالة تعبيرية ترتكز على عنصر وجملة واحدة مع تهميش بقية الأجزاء" مع أن الحوار والجدل في النهاية هو مفهوم فلسفي، يمكن رؤية علاقة حوارية بين اللون والموضوع عند الديني، رغم عدم وجود استنطاق للعلاقة بين اللون والموضوع، إلا بوصفهما قيمتين شكليتين بأبعاد وحيدة الاتجاه، في حين أن هبة عابد وعلى حد تعبير إدريس "ألوانها تظهر متناثرة ومتداخلة كأنها جداول" والتعبير على الرغم من تجريديته صحيح، ذلك أن الفنانة في معظم أعمالها تقف بين حدي الإفصاح والتخفي، ووجدت حلولا فنية لكثير من الحالات، مما يرشح أعمالها لتعكس صورة حقيقية لعنوان المعرض، حوار وجدل، ويقوم الحوار عند الفنانة بوظيفة البلاغة اللونية، بينما يحضر الجدل في السؤال الذي تطرحه اللوحة على متلقيها، وهو سؤال يخفي وراءه ذاكرة حسية تتعلق بالجسد في تشكلاته كافة. في المنظور نفسه يمكن إسقاط ذلك على أعمال عبدالله إدريس مع اختلاف جذري في المسطحات اللونية لكن هذه الحسية تحضر في جدلية العلاقة بين الحاضر والماضي، حيث يشتغل إدريس على استحضار الطفولة التعبيرية للإنسان، عبر أشكال بدائية وبأسلوب معاصر، مع احتفاظه بروح التجربة التي ميزته كفنان، أيضا فهد النعيمة الذي لا تفتقر أعماله إلى الحوار بيد أن فضاءه اللوني الغامض يفتقر إلى محددات، أو أطر شكلية مما يعني انفتاح العمل على محتملات عديدة، قابلة للتأويل ولكنها فاقدة للتناغم، ومع فقر الألوان المتعمد، تبدو رسالة الفنان إنشائية على الرغم من محتواها الإنساني. يبقى إحسان برهان رغم موهبته تائها بين تجريدية مستحدثة وغريبة عنه، وبين خبرة عميقة واحترافية في مجال التصوير مما يجعله غير محتاج لتزييف فنه، فألوانه تخلق حوارا أصيلا بين موضوعاته وعين المتلقي وعقله، بيد أنها حوارات بسيطة قد لا تفضي لأسئلة، وهذا الحكم ليس عاما، إذ إن برهان يحاول التفلت من تقاليده ليدخل في جدلية بين ماضيه وحاضره . إذا انتهينا في المعرض إلى نورة قابل نكتفي بتعبير عبد الله إدريس عن أعمالها" فنانة قادمة من شظايا اللون وتهويماته، في عملها تبحث عن مبتغاها وتحاول إيجاد صيغة لموضوعاتها".