وجود قنوات وإذاعات محلية مخصصة لتغطية أخبار كل إقليم أو ولاية يُعتبر من الضروريات لمعرفة التقلبات الجوية في دولة بحجم الولاياتالمتحدة واختلاف مناخها –الدراماتيكي في بعض الأحيان- باختلاف المناطق. فمتابعة النشرات الجوية والإلمام بالتغيرات المناخية يعتبر من أساسيات السلامة للمعيشة في الولاياتالمتحدة ولتجنّب الكثير من المآسي الطبيعية والبشرية عبر الفصول. وإدراك هذه الحقيقة لا يتطلّب أكثر من الغرق في طوفان مطرٍ يتربّص بيومٍ صحو، أو الانحباس في متجرٍ ما لاحتمالية مرور إعصار بالمنطقة وضربه لها، أو الانزلاق والسقوط على يسميه الأميركيون بالجليد الأسود- للونه الشفاف الذي يجعله يبدو جزءاً من إسفلت الطرق. تجارب كهذه تجعل أي مقيم عربي في أميركا يستوعب الاختلاف الدراماتيكي في طبيعة الطقس في العالم العربي-المستقر في معظم الأحيان-، ناهيك عن أهمية الاطلاع على أحوال الطقس قبل الخروج من المنزل، خاصة في المواسم الأكثر تقلّباً والأصعب تنبؤاً. عايشتُ أول هزة أرضية في حياتي في منطقة أنهايم في كاليفورنيا في أغسطس 2008. و كانت تغطية القنوات المحلية للحدث مفيدة جداً لمعرفة كيفية التصرّف في حال الهزّات الارتدادية ومعرفة المناطق الآمنة وغير الآمنة. وفي حالات توقّع التورنيدو في مدينة أوكلاهوما سيتي -المعروفة بتعرّضها الدائم للتورنيدو، كانت أجراس الإنذار لا تنطلق من خارج البيوت فقط، بل من أجهزة الكيبل أو الريسيفر داخل البيوت. هذا عدا عن توفير الملاجئ للطلاب داخل الحرم الجامعي، بالإضافة إلى المحاضرات التوعوية في المدارس والمعاهد والجامعات وجعلها أولوية على الحصص الدراسية . وبالرغم من قوة الزلزال الذي ضرب منطقة دي سي أخيراً (5.9 بمقياس ريختر) ووجودي في منطقة حدوث الزلزال في واشنطن، إلا أنني لم أشعر بالزلزال! كنتُ أجلس في الحديقة البهية أمام البيت الأبيض مستمتعة بالنسيم العليل والشمس الرقيقة في ذلك النهار. قد أكون شعرت بهزةٍ بسيطة اعتقدتَها أعمالاً حفرية ولم أتوقّف عندها طويلاً. أثناء عودتي إلى مكتبي تعجبت من عدد الموظفيّن المتناثرين على أطراف الشوارع، كنت غير مدركة أن شيئاً ما- بحجم زلزال- قد حدث. طُلِب منا إخلاء المبنى وكان زملائي وزميلاتي الموجودون في المبنى أثناء حدوث الهزة في حالة هلع تكاد تكون هستيرية. لم يتسنَ لي متابعة تغطية الإعلام للحدث بسبب انقطاع الإرسال عن الهواتف، لكن عدد الاتصالات التي تلقيّتها من أهلي وأصدقائي والهلع الذي كان يتلبّس أصواتهم كان كافياً لأن أدرك أن ما شاهدوه على المحطات الفضائية جعلهم يعتقدون أن ما حدث أشبه بفيلم رعب هوليودي. بصراحة شديدة لم أستطع لومهم لأنني أُصبتُ بذات الهلع حينما عادت الحياة إلى هاتفي وتمكّنتُ أخيراً من قراءة وسماع الأخبار المتعلّقة بالزلزال! بعدها أتت التحذيرات من الإعصار وما يُمكن أن يسبّبه من دمار بدءاً بانقطاع التيار الكهربائي وانتهاء بالفيضانات التي يُمكن أن تجرف بيوتاً بأكملها. أتى الإعصار ورحل دون أن أستخدم الكشافات أو راديو البطارية، بالرغم من قوة الإعصار التي شعرتُ للحظات أنها ستطيّر شبابيكي معها ! ومع أني من مؤيديّ الفلسفة الأميركية التي تقول " أن تكون متأكداً أفضل من أن تكون نادماً" مقابل الفلسفة العربية المنادية ب " خليها على ربك" أو " كلو على الله" ، إلا أنني أعتقد أن التغطية الإعلامية الأميركية كانت مخيّبة إلى حد كبير. فإذا كان دور الإعلام هو توعية الناس في ظروف كهذه ومساعدتهم على تخطيّ الأزمة بسلام، فإن الإعلام الأميركي تجاوز الشعرة بين التوعية و الترويع بممارسة انتقائية مضلّلة في تغطية الحدث. فإذا بنا نجد المراسلين يغطون أخبار المناطق المعرّضة للفيضانات ويتجاهلون- عمداً- المناطق التي لم تتعرّض لأذى. وقد شهد بعض الإعلاميين على حقيقة ترويع المحطات المحلية للناس، كمراسلة بلومبيرج( ليزي أوليري) التي كتبت في إحدى تويتاتها أن "أخبار القنوات المحلية تُرعبني وأنا أعمل في إحداهن". في حين يتهاون الإعلام العربي في التحذير من الظواهر الطبيعية والتقلّبات الجوية ولا يتحدّث عنها إلا بعد أن تصبح كوارث، فإن الإعلام الأميركي يعمل على تحويلها إلى أفلام (اكشن) هوليودية. وهذا ما يُقرّره مراسل السي ان ان، (بات كيرنان)، حينما يقول:" عندما نخرج بحثاً عن الأخبار، فإن الشجرة الواقعة على الأرض هي خبر، أما الشجرة الواقفة في مكانها فليست خبراً". هذه الانتقائية في التغطية الإعلامية خطيرة جداً وخطرها يكمن في قدرة الإعلام الأميركي على خلق واقعٍ جديد واستدراج الآخرين للتعبير عن ردّات فعلهم باعتبار الواقع الذي فبركوه حقيقة لا لبس فيها! خطر الإعلام المهووس بالاكشن لا يقل عن خطر الإعلام الانحيازي، لأنه لا يُمكن أن تُرضيه إلا ردّات الفعل الهيستيرية !