اكتسبت محافظة بدر أهميتها التاريخية من الحدث العظيم الذي وقع فيها منذ أكثر من 1430 عاما في يوم الجمعة الموافق 17 من رمضان للسنة الثانية للهجرة عام 624م وهو غزوة بدر الكبرى عندما نصر الله المسلمين وفرق بين الحق والباطل في إحدى أهم الغزوات الإسلامية على الإطلاق والتي أعزت المسلمين بالنصر والغنيمة. غزوة بدر وقد تسبب في حدوث هذه الغزوة اعتراض قافلة أبو سفيان القادمة من الشام وهي تحوي أموال قريش من قبل المسلمين لاسترجاع أموالهم التي نهبتها قريش بعد وأثناء هجرة المهاجرين من مكة للمدينة فحينما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخروج عير قريش محملة بالبضائع دعا أصحابه للخروج إليها وجعل الخروج اختياريا فخرج من المسلمين 314 مقاتلا وكان أبو سفيان رجلا ذكيا، فأخذ يتحسس الأخبار، ويسأل من يلقاه عن المسلمين خوفًا على القافلة، فقابل أحد الأعراب يسمى مجدي بن عمرو فسأله: هل أحسست أحدًا؟ فقال: إني رأيت راكبين وقفا عند البئر، فرأونا ثم انطلقا، فذهب أبو سفيان إلى مكانهما، وأمسك روثة من فضلات الإبل ففركها في يده، فوجد فيها نوى التمر، وكان أهل المدينة يعلفون إبلهم منه، فقال أبو سفيان: هذه والله علائف يثرب. وعلم أن الرجلين من المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إليهم، فغير طريقه بسرعة وفرَّ هاربًا بقافلته، وأرسل إلى قريش يستنجد بهم؛ ليحموه من المسلمين، ووصل رسول أبي سفيان إلى قريش، ووقف على بعيره، وأخذ ينادي ويصيح: يا معشر قريش! أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها الغوث، الغوث وظل الرجل ينادي حتى تجمع الناس، وخرجوا بأسلحتهم وعدتهم ليحموا أموالهم. كبر وطغيان في الوقت نفسه كان أبو سفيان قد نجا بالقافلة، وأرسل إلى قريش يخبرهم بذلك، فرجع بعضهم، وكاد القوم يعودون كلهم؛ لأنهم ما خرجوا إلا لحماية قافلتهم، ولكن أبا جهل دفعه الكبر والطغيان إلى التصميم على الحرب، وعزم على أن يقيم هو والمشركون 3 أيام عند بئر بدر، بعد أن يهزم المسلمين فيأكلون الذبائح، ويشربون الخمور، وتغني لهم الجواري حتى تعلم قبائل العرب قوة قريش، ويهابها الجميع، وهكذا أراد الله تعالى أن تنجو القافلة، وأن تقع الحرب بين المسلمين والمشركين. مواجهة الآباء بالأبناء وفي هذه المعركة، التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، ففصلت بينهم السيوف؛ فأبو بكر رضي الله عنه في صف الإيمان وابنه عبدالرحمن يقاتل في صفوف المشركين، وكذلك عتبة بن ربيعة الذي كان أول من قاتل المسلمين من الكفار، فكان ولده أبو حذيفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سحبت جثة عتبة بعد المعركة لترمى في القليب، نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي حذيفة فإذا هو كئيب قد تغير لونه فاستوضح منه سر حزنه، وهل هو حزين لمقتل أبيه أم لشيء في نفسه؟ فأخبره أبو حذيفة أنه ليس حزينا لمقتل أبيه في صفوف المشركين، ولكنه كان يتمنى أن يرى أباه في صفوف المسلمين لما يتمتع به من حلم وفضل، وقد قاتلت الملائكة مع المسلمين في هذه المعركة حيث قال تعالى "فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين". وقد تحقق النصر المؤزر للمسلمين في هذه الغزوة كان عدد القتلى من المشركين في هذه المعركة 70 وعدد الأسرى 70 بينما استشهد من المسلمين 14. تسميتها ببدر تقول الروايات "سميت محافظة بدر بهذا الاسم نسبة إلى اسم بدر بن مخلد بن النضر وهو من كنانة وقيل من بني ضمرة وكان هذا الرجل قد سكن هذا المكان فنسب إليه وسمي باسمه، ويقال بدر إنها سوق من أسواق العرب المعروفة تقصدها العرب وخاصة القوافل القادمة من الشام والذاهبة إليه وكانت تقام فيه السوق لمدة 8 أيام عند هلال ذي العقدة". الموقع والمساحة تقع محافظة بدر في الجزء الغربي من منطقة المدينةالمنورة، ويحدها من الشمال المدينة ومحافظة ينبع، ومن الشرق المدينةالمنورة، ومن الجنوب المدينةالمنورة ومنطقة مكةالمكرمة، ومن الغرب محافظة ينبع والبحر الأحمر. وتبلغ مساحتها 9 آلاف كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها نحو 91 ألف نسمة وتتبع لها 9 مراكز وقد حظيت بدر وما زالت تحظى بالكثير من المشاريع التنموية من بناء مدارس ومستشفيات وحدائق عامة، كما توجد بالمحافظة لجنة للتنشيط السياحي وانتهت هيئة السياحة والآثار من وضع التصورات الأولية لتطوير الواجهة السياحية الساحلية لمركز الرايس. مشروع التوثيق ميداني ويؤكد مساعد مدير مركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة الدكتور عبدالباسط بدر أن المركز اهتم بمكان الغزوة وموقعها حيث قام المركز بمشروع التوثيق الميداني للسيرة النبوية الذي يقوم على جمع الروايات الموجودة في كتب التفسير والحديث والسيرة النبوية والتاريخ وتراجم الأعلام، بحيث جمعت مادة علمية من هذه المصادر في المقام الأول ثم إضافة أي مصادر أخرى متاحة وبذلك تشكل ما يسمى بالنص الأولي لرواية الحدث حيث تظهر خلاله روايات متنوعة ومتضاربة. وتابع "وبعد ذلك يبدأ التطبيق الميداني من خلال تتبع المواقع التي ذكرت في جميع المصادر بحيث نقوم بالمطابقة والمقارنة بين هذه الروايات ومعطيات الموقع مما ساعد للوصول إلى الرواية الأصح وعلى تصور الحدث بشكل واقعي، لذلك قام المركز بدراسة علمية لأحداث الغزوة وتوزيع النص الأولي على مجموعة من الباحثين في جامعات المملكة وخاصة في أقسام التاريخ والجغرافيا والجمعية التاريخية والجمعية الجغرافية وهيئة المساحة السعودية، كما أقيمت ندوة نصفها في المدينة ونصفها في موقع الغزوة نوقشت فيها الروايات بالإضافة إلى إقامة رحلة شارك فيها باحثون وباحثات تتبعوا خط سير جيش المسلمين من المدينة إلى بدر والمواقع التي وقعت فيها أحداث وردت في الروايات ووثقت بعد ذلك موقع نزول الجيش عند منطقة "كثيب الحنان" ثم موقع المعركة ومقبرة الشهداء ومسجد العريش ومكان المنازلة ومنطقة معسكر المشركين وهي ما تسمى بالعقنفل". وأشار بدر إلى أنه "رسمت صورة تصويرية تقريبية ساعد فيها دراسة التضاريس والطبيعة الجيولوجية للمكان، مؤكدا بأن المركز وصل إلى اجتهاد جماعي علمي موثق لإجراءات الغزوة ومواقعها وإلى رواية موحدة تخلصت من الاختلافات والتضارب لتكون هي الرواية الأدق". وأوضح مساعد مدير مركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة أنه استقطب أكثر من 30 بحثا كما أصدر هذا النتاج العلمي في عدد خاص من مجلة المركز حمل اسم الغزوة بالإضافة إلى فيلم وثائقي قصير مدته 12 دقيقة عن أحداث الغزوة. جوانب تاريخية ويؤكد الباحث في تاريخ المدينةالمنورة الدكتور تنيضب الفايدي أن الجوانب التاريخية التي لها علاقة بالسيرة المكانية مثبتة في القرآن الكريم مثل العدوة القصوى والعدوة الدنيا والتي ذكرت في القرآن الكريم حيث قال تعالى (إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). وأشار إلى أن منطقة الركب أسفل منطقة المسلمين والتي وردت في الآية هي "منطقة الركب التي تقع أسفل بدر وهي ساحل وكانت تعرف بالجار وهو ميناء يقع على ساحل البحر الأحمر وكان أكبر ميناء على بحر القلزم ترد إليه السفن من الصين والهند وقد نزل به المهاجرون إلى الحبشة بعد عودتهم عقب هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم"، كما ذكر الفايدي بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه زار هذا الميناء والذي يبعد شمال مركز الرايس 8 كيلو وذلك لتوزيع الإغاثة القادمة من مصر في خلافته. وأوضح الفايدي بأن هذا الميناء اندثر منذ فترة طويلة، مؤكدا بأن المنطقة المسورة حاليا والمدفون فيها الشهداء تعتبر جزءا من أرض المعركة، لافتا إلى أهمية عمل زيارات مستمرة لهذه المواقع لاسيما وأنها تعتبرا جزءا من السيرة النبوية. ساحة المعركة محمية من جهته أوضح مدير عام الإعلام والعلاقات العامة بالهيئة العامة للسياحة والآثار ماجد بن علي الشدي أن الهيئة تؤكد أن هذا الموقع محمي بموجب أمر سامٍ كريم والمتعلق بحماية المواقع الإسلامية في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة الصادر مؤخراً، حيث أثبت ضمن قائمة المواقع المحمية التي تسعى الهيئة بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية ومجموعة من المتخصصين والمهتمين بآثار المدينةالمنورة لحصرها وإعداد قوائم بها، وتوثيق معلوماتها ضمن سجل الآثار. وذكر الشدي أن الهيئة تعمل مع الجهات الأخرى واللجان المتخصصة لمنع أي تعد على موقع المعركة الذي هو ساحة لا توجد بها أي أعمال حاليا. وأضاف أنه تقوم مجموعة من منظمي الرحلات السياحية بتنظيم جولات تعريفية تشمل المرور على موقع بدر لزوار المدينةالمنورة الذين يحرصون على الاطلاع على مواقع السيرة النبوية، وزيادة معرفتهم وفهمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. وعاود الشدي للتأكيد بأن الآثار الوطنية وفي مقدمتها المواقع المرتبطة بالتاريخ الإسلامي محمية بإرادة وطنية من قيادة الدولة، والهيئة العامة للسياحة والآثار مسؤولة بناء على نظامها عن حماية الآثار بالتنسيق مع الجهات الأخرى، وفقا للأنظمة والثوابت التي قامت عليها المملكة.