شكَّلت عمليات التحالف الدولي لفرض حظر جوي في سماء ليبيا وحماية المدنيين، التي أُطلق عليها اسم عملية "فجر الأوديسا"، تغييراً كبيراً في موازين القوى العسكرية بين قوات العقيد معمر القذافي وبين قوات المعارضة، وقد أظهرت الأيام الأخيرة الماضية أن هذه العمليات بدأت تشكل فرقاً كبيراً على الوضع على الأرض الذي بدأ يتغيَّر تغييراً حاسماً. فقد استطاع الثوار الليبيون استعادة السيطرة على عدة مناطق ليبية كانوا قد فقدوها منذ فترة، وبدؤوا يتقدمون نحو مناطق جديدة في الطريق إلى هدفهم النهائي في العاصمة طرابلس، والتي لا يمكن أن يسقط النظام ما لم تسقط. وقد شكلت عملية فجر الأوديسا بالتأكيد ضربة لنظام القذافي وعززت من قدرات الثوار إلى درجة كبيرة. لكن كتائب القذافي التي بدأت تتراجع وتعيد تمركزها في مناطق تعتبرها أكثر حساسية قد تتمكن من الصمود لفترة طويلة أمام الهجمات ما لم تتغيَّر الظروف على الأرض بشكل كبير وسريع. وقد نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في أواخر مارس المنصرم دراسة كتبها جيفري وايت حول مجرى العمليات العسكرية في إطار فجر الأوديسا ومستقبل مسار الحرب في ليبيا بشكل عام. مجرى عملية فجر الأوديسا من الواضح، قبل إطلاق عملية "فجر الأوديسا"، أن نظام القذافي كان يحقق انتصارات عملية في الحرب ويعزز سيطرته على القسم الغربي من البلاد، كما استطاع أن يحافظ على قبضة محكمة على طرابلس، ويزيد الضغط على المناطق التي يُسيطر عليها الثوار في مدن مصراتة وزنتان ونالوت. وفي الشرق، كانت قوات النظام قد بدأت بعمليات ضد بنغازي بعد أن تمكنت من عزل مدينة أجدابيا. من الناحية العسكرية، كان من المرجَّح أن تنتهي الحرب في غضون أيام لو استمرت الأمور تسير في نفس الاتجاه، بحيث تصل إلى نهاية سيئة للغاية بالنسبة لمعارضي القذافي في داخل ليبيا وخارجها. لكن البدء بتنفيذ عملية "فجر الأوديسا" جاء في الوقت المناسب لمنع هذه المحصلة. وتشمل هذه العملية متعددة الجوانب ما يلي: • تعطيل نظام الدفاع الجوي الليبي للحد من التهديدات التي تتعرض لها العمليات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي. وبالفعل فقد نجح التحالف في القيام بذلك بشكل فعال. وعلى الرغم من أن ضرب القدرات الجوية الليبية قد لا يؤثر بصورة مباشرة على الحرب التي يشنها القذافي ضد الثوار، إلا أن من المرجَّح أن يخفض ذلك من ثقة وتماسك عناصر النظام. • تنفيذ ضربات على مراكز القيادة والسيطرة للقوات الليبية تهدف لتعطيل قدرة النظام على السيطرة على قواته. • منع استخدام القواعد الجوية الرئيسية للحد من قدرة النظام على القيام بأي عمليات جوية، بما في ذلك العمليات الهجومية، والاستطلاع، والنقل. • شن غارات أرضية ضد عناصر النظام وقواته المدرَّعة والمدفعية التي تهدد التجمعات السكانية في ليبيا، وهي أساساً محدودة على بنغازي في الوقت الحاضر. إن لهذه الضربات التي تقوم بها قوات التحالف آثارا كبيرة ومهمة على الوضع العسكري. فقد استطاعت أن تقلص عدداً من المزايا التي تمتعت بها قوات النظام سابقاً. وعلى وجه الخصوص، قضت عمليات التحالف الدولي على ميزة القذافي الجوية. وقد وفَّر ذلك دعماً نفسياً لقوات المعارضة، كما شكَّل على الأرجح ضربة نفسية للنظام وقواته، التي هي الآن عرضة لهجمات الحلفاء الجوية. إن الضربات الجوية التي يقوم بها الحلفاء على أهداف أرضية قد دمَّرت بالفعل بعض قوات النظام المقاتلة، وخاصة الدبابات، والمركبات القتالية، وناقلات المشاة الآلية، وأنظمة المدفعية التي تعمل في شرق ليبيا - وهي بالذات القوات التي أنزلت بالمتمردين أشد الضربات. ففي هجوم واحد في 19 مارس، على سبيل المثال، تم تدمير ما يقرب من 70 من مركبات القتال والدعم، مما أدى إلى صد قوة القذافي الهجومية في الشرق إلى حد كبير، ويُحتمل أن تكون قد أدت إلى تعطيل حركة قوات النظام الأخرى التي تقاتل في العراء لبعض الوقت. وسيؤدي استمرار الهجمات على العناصر التي تعمل على الأرض إلى الحد من قدرة النظام على التنقل ومنعه من تركيز قواته للقيام بأي عمليات هجومية. سابقاً، كان القذافي يستخدم المدفعية لقصف قوات المعارضة والمدنيين، الذين لم يكن لديهم رد فعال، ويقوم بعد ذلك بشن غارات بالآليات المدرَّعة على المناطق التي يُسيطر عليها المتمردون، وبتكراره هذه العملية حتى انهيار المقاومة. حتى الآن، لم تكن الهجمات على "مراكز القيادة والسيطرة" سوى جزء محدود من عملية فجر الأوديسا. ومع ذلك، إذا ما استمرت هذه الهجمات أو توسعت، بإمكانها أن تقلل من قدرة النظام على تخطيط وتنسيق عمليات عسكرية، لاسيما العمليات الهجومية في الشرق. استمرار بعض قدرات النظام على الرغم من التطورات التي ذكرت أعلاه، لم تتعامل عملية فجر الأوديسا مع جميع عناصر الصراع. فما زالت قدرة النظام على نقل القوات والإمدادات عبر مسافات طويلة قائمة كما كانت في السابق، وبذلك تشكل ميزة كبيرة. وقد استغل القذافي هذه الميزة سابقاً لشن هجمات في الشرق والحد من المناطق التي يُسيطر عليها المتمردون في الغرب، ويمكنه أن يفعل ذلك مرة أخرى إذا بقيت الضربات التي تنفذها قوات التحالف ضد أهداف أرضية محدودة أو توقفت بشكل كامل. كما استطاعت قيادة النظام أيضاً أن تخطط وتنفذ إستراتيجية مضادة للثوار كانت ناجحة إلى حد كبير، مما يجعل من القيادة العليا هدفاً مشروعاً. ومع ذلك، لم تتعرض هذه القيادة لأي هجوم حتى الآن. أما بالنسبة للثوار، فعلى الرغم من تحسن وضعهم الدفاعي، لم يتم عمل شيء لإعادة قدراتهم الهجومية بصورة مباشرة. وهناك فرق كبير بين التمسك بالأراضي عن طريق اتخاذ إجراءات دفاعية، والسيطرة والحفاظ على الأراضي من خلال القيام بعمليات هجومية، التي بطبيعتها أكثر صعوبة من ناحية التخطيط، والسيطرة، والدعم. وبالإضافة إلى تحسين الروح المعنوية، يحتاج المتمردون إلى سلاح أفضل، وكذلك الأمر بالنسبة للتدريب، وإقامة "مراكز قيادة وسيطرة"، إذا ما أرادت قواتهم أن تتولى زمام الأمور والقيام بهجوم فعال. إن إحدى النتائج المترتبة على التأخير في التدخل الخارجي هو أن هناك مساحات شاسعة من الأراضي التي على الثوار السيطرة عليها، فعلى سبيل المثال، تبلغ مسافة الطريق بين بنغازي وطرابلس نحو 650 كيلومترا. الآفاق المستقبلية لمسار الحرب لقد تغيَّر الوضع كثيراً، وسيتوجب على كل من النظام والثوار التكيُّف مع هذه الأوضاع الجديدة. ومن المرجَّح أن ينطوي رد النظام على مزيج من استمرار عمليات المعلومات، والمزيد من الضغوط على المناطق الغربية، واستخدام أساليب قتالية جديدة للحد من التعرض للقوات البرية، وإجراء تحولات دفاعية لجعل التحالف الدولي يقود عمليات أكثر هجومية ومغامرة وأقل قبولاً سياسياً. إن المسألة المركزية والأهم بالنسبة للثوار هي فيما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من عملية فجر الأوديسا لبناء قدراتهم الهجومية وتوسيع المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وبالفعل، بدأت قوات المعارضة بالتحرك نحو الغرب في أعقاب هجمات التحالف الدولي، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانهم القيام بهجمات متواصلة ضد قوات النظام التي تقاتل في موقف دفاعي. وفي جميع الأحوال، يقول بعض المراقبين إن الحرب قد لا تنتهي بسرعة أو بصورة حاسمة. ويعتمد الكثير على مدى مغامرة واستمرارية عمليات التحالف الدولي، وعلى الكيفية التي سيتعامل بها النظام والثوار مع الوضع الجديد. وإذا استمرت عملية فجر الأوديسا في نطاقها وحجمها الحالي، وبقي القذافي مصراً على تحديه، وإذا لم يشن التحالف الدولي هجوماً من الأرض، فإن الحرب قد تستمر فترة طويلة من الزمن. وتواجه كل من قوات التحالف الجوية والثوار تحديات عملياتية كبيرة، مثل استهداف قوات النظام التي تختلط مع السكان في المناطق السكنية أو التي تصمد ببساطة في مواقعها. وهناك العديد من الأسئلة الرئيسية التي ستحدد فيما إذا كانت المرحلة النهائية ستشهد انهيار النظام، أو وجود جمود عسكري، أو قيام نوع من المفاوضات السياسية: • هل سيعمل التحالف بصورة هجومية، ويفسر تفويضه بصورة واسعة، أم هل سيعمل على تحديد مجال عملياته؟ • هل ستقوم قوات التحالف بضرب عناصر النظام على الأرض التي لا تهاجم المناطق المدنية بصورة نشطة؟ • ما الذي ستفعله قوات التحالف بخصوص المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الغرب؟ • هل سيكون الثوار قادرون على شن هجوم ناجح في اتجاه طرابلس؟ بعض التوصيات العسكرية تقول الدراسة إن على قوات التحالف، في المرحلة المقبلة، أن تضغط بقوة لخفض قدرات القذافي الأرضية أو القضاء عليها. وينبغي أن يشمل ذلك القيام بهجمات واسعة على قوات النظام البرية أينما كان بالإمكان تحديدها وضربها، جنباً إلى جنب مع شن هجمات على مناطق التخزين، ووحدات التجهيزات والنقل، وعمليات النظام المتعلقة بالإمداد والتجهيز والتي تشمل نقل المعدات الثقيلة والتموين. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي تزويد الثوار بالوسائل العسكرية بحيث يستطيعون اتخاذ المبادرة في الهجوم، ويشمل ذلك المساعدة في توفير الأسلحة، والتدريب، وتقديم المعلومات الاستخباراتية، وإنشاء "مراكز قيادة وسيطرة" لهم. وينطوي هذا النهج على الاستعداد لقبول بعض المخاطر من الأضرار الجانبية، وخسائر الحلفاء، وتغيير شكل العملية عن أهدافها الأولية من غير قصد بحيث تصبح أوسع نطاقاً. ولكن ليس هناك مكافأة دون خطر، ويبدو أن الرحيل السريع لنظام القذافي يستحق المخاطرة.