كان الحضور النخبوي الذي امتلأ به ملتقى السرد في الأحساء، مساء الأحد الماضي، على موعد مع "الثيمات القصصية" التي شكلت ألوانها قصص القاصين شيمة الشمري وعبدالله الوصالي، اللذين وصلا بنصوصهما إلى قمة الإبداع، في تماس قوي ومميز فيما طرحاه من هموم إنسانية واجتماعية، في قصص الأمسية الثانية للملتقى لهذا العام, وأدارها القاص حسن الأحمد. وتميزت قصص شيمة الشمري بحس إنساني لم يعهد في الكثير من الكتابات النسائية المعتادة، فجاءت حاملة زادًا إنسانيًا واضحًا وجليًا، يتماس مع الحس الإنساني بفلسفة غير معتادة ببساطته ونضجه. وكانت حروفها ترن في آذان النخبويين، - وهم من كتاب القصة والرواية -، وكأنهم على موعد معرفي مسبق مع نصوص الشمري والوصالي، وبالتالي كانت المداخلات تصب في منهجية نقدية واضحة المعالم والأهداف، تتبين الخصائص الفنية في الكتابات وآلياتها، وفي حراك نوعي يتناول البنية السردية في مكوناتها الفنية والقيمية التي اتكأت عليها النصوص، مما جعل الجميع يتواصل بكل ما يحمل من ثقافة وحساسية مفرطة في عوالم القصة بل صفق الجميع كثيرًا وبحرارة لما وجدوه من قدرة تميزت بها "شيمة"على إيصال المعاني بسلاسة متميزة وفذة وتصيد اللحظات التي تتسم بها القصة الناجحة، لتقول للمتلقي عليك أنت وأنت وحدك الرهان في القبول، ثم التأمل والتعامل مع الوعي كشرط أساس للنهضة الفكرية التي تأتي من روح النصوص، كما ورد في قصتها المعنونة ب"لغة" و" تخيل". كما أبدع الأديب عبدالله الوصالي الذي بدأ بقراءة المقطع الحادي عشر من روايته "بمقدار سمك قدم" ركز على الأمر ذاته، وبرهن أن الكاتب هو وحده القادر على إبداع نصوص تتناول ما يخالج الإنسان من خير وشر في حله وترحاله في وطنه وفي غربته، في صمته وبوحه وفي بقية نصوصه لم يغب أبدًا الإنسان ك"كائن مركزي لهذا الكون". وقال الوصالي إن ما يسكت عنه الإنسان في الواقع، تفضحه الرواية، وأكد أن العالم القصصي هو في جوهره معادل موضوعي للحياة, مما جعل المداخلين يشتركون جميعًا في منهجية واحدة وهي أهمية الكتابة السردية مع تعدد التناولات والأوجه بعددهم، لكنها اتصفت كلها بعمق الطرح فيما قدم من نصوص، في الأبنية السردية التي تمثلت في مرجعيات فكرية متعددة للأمور، وثرية في اختلافها الإنساني المتخم بوعي وإيمان بأن الإنسان واحد وهو الأصل في تحديد القيمة المرجعية الفكرية.