العالم يترقب أحداث كأس العالم القادمة في جنوب إفريقيا، والكل تتجه أعينهم صوب لاعبين مفضلين لدى كل مشجع، إذا ما علمنا، أن كل منتخب يزخر بالموهوبين الذين يشكلون رأسمال حقيقيا، وفرس رهان، يراهن عليها المدربون، لتحقيق نتائج أفضل. هؤلاء النجوم لم يأتوا من الفراغ، بل تدرجوا منذ نعومة أظفارهم، وكان المصنع الأولي لعدد منهم هو اللعب مع فرق "الحواري"، والمناطق المحلية. ولعل منتخب البرازيل، بنجومه المبدعين، هو واحد من هذه المنتخبات على مر التاريخ، الذي استفاد من مواهب لاعبين صغار، بدت عليهم أمارات القدرة والتمكن، وهم يداعبون الكرة ويجرون خلفها في الأزقة، بين البيوت، وفي الملاعب الرملية، وعلى شواطئ البلاد. بداية المشوار المملكة، هي الأخرى، أول ما يبدأ فيها لاعبو كرة القدم في البروز، يكونون ضمن فرق "الحواري"، أو فرق "المدارس"، و"الأحياء"، حيث تصقل الموهبة، ويتعلم الفرد ذاتيا، وبرفقة الأصدقاء، المهارات الأولى لكرة القدم، وشيئا فشيئا تنمو الموهبة، وتعززها الخبرة، إلى أن تحين الفرصة، وينتقل الاعب إلى أحد الأندية المحلية، هناك يشتغل عليه المدربون، ويعطونه الدروس شيئا فشيئا، إلى أن يغدو لاعبا أساسيا في النادي، وما إن يثبت جدارته، حتى تتلقفه الأندية المحلية الأكبر، وهناك يبدأ المشوار الصعب، والمنافسة الأكبر، والتي بدورها ستنقله إن أثبت براعة في كرة القدم، إلى أن يكون أحد لاعبي المنتخب الوطني السعودي، مزدانا باللون الأخضر، وحاملا شارة بلاده. الحواري في القطيف محافظة "القطيف"، على الساحل الشرقي من المملكة، واحدة من أكثر المحافظات احتضانا لفرق "الحواري" في كرة القدم، حيث قدر عدد الفرق فيها بأكثر من 40 فريقا، يضم كل فريق نحو 20 لاعبا أو أكثر، بحسب حجم الفريق، وبالتالي فهنالك ما بين ال 800 1000 لاعب يزاولون كرة القدم على مدار العام، بشكل أسبوعي، والبعض بشكل شبه يومي، وتحديدا أيام الأربعاء والخميس والجمعة، حيث تحجز الملاعب الرملية، وتزدحم بالمتدربين واللاعبين، كما الجمهور أيضا. لعبٌ متواصل هذه الفرق تلعب بشكل أسبوعي فضلا عن برنامجها اليومي، فتجد ملاعب الكرة في المحافظة عامرة بالشباب، ضمن منافسات مستمرة، لا تختلف كثيرا عن المنافسات الرياضية القائمة بين الأندية، خاصة أن هناك مناسبات تتم خلال الموسم الرياضي تستقطب هذه المنافسات. ففي كل منطقة هناك دورة رياضية واحدة في السنة على الأقل، تتم لتنظيم حركة المنافسة الرياضية بين الفرق، وقد أصبحت في السنوات الأخيرة دورات رياضية خيرية، فبات اللاعب ينتظر الفوز رياضيا، ويأمل الأجر والثواب من الله، جراء تلك المشاركة، حتى إن إحدى الدورات الرياضية الخيرية رفعت شعار (للرياضة معنا، معنى آخر)، فباتت رياضة فرق الحواري برامج رياضية، ذات بعد خيري واجتماعي، ووسيلة اتخذتها بعض المؤسسات الصغيرة للترويج لأنشطتها ومنتجاتها، فضلا عن أنها باتت مدرسة لتخريج اللاعبين لخدمة الأندية الكبيرة، لتنسجم تلك المنافسات مع التطور الحاصل في النشاط الرياضي، الذي بات حرفة للعديد من اللاعبين. 40 عاما في الملاعب الكابتن عيسى بن عبد الله الجيراني، والذي يطلق عليه شيخ الرياضيين في فرق الحواري بالمحافظة، بحكم كونه صاحب أقدم دورة رياضية رمضانية، تجاوز عمرها 30 عاما، وتحمل اسم "دورة الهدف الرياضية"، فضلا عن أن معظم المباريات التي تتم أسبوعيا في ملاعب الحواري بمحافظة القطيف تتم من خلاله، فهو يقوم بدور المنسق بين الفرق، فقد قضى أكثر من 40 عاما في خدمة الرياضة والرياضيين. يقول الجيراني "إن فرق الحواري في الوقت الحاضر باتت مختلفة كثيرا عما كانت عليه قبل 40 أو 30 عاما، فقد كان الرياضة في تلك الأزمنة لا تتعدى كونها رياضة للتسلية، يلجأ لها الناس حبا في اللعبة، لعدم وجود برامج تسلية وترفيه في ذلك الوقت، لكن الأمر تغير في الوقت الحاضر، إذ باتت كرة القدم برنامجا، ومنافسات وتاريخا أيضا، إذ إن فرق الحواري باتت تدخل في دورات رياضية لها قانون وتصفيات ونهائيات وجوائز، فحين إطلاق دورة الهدف الرياضية قبل 30 عاما، لم تكن هناك أي دورة في محافظة القطيف، لكننا اليوم نشهد في كل قرية أو بلدة دورة أو دورتين في السنة، وهذه الدورات صارت دورات رياضية خادمة للعمل الخيري، وتشرف عليها الجمعيات الخيرية". خدمة الناس من جانبه يرى المهندس علي الزاهر، قائد فريق "العربي" بقرية "العوامية"، وأحد أبرز أهم الفرق في المنطقة، والمعروف بأدائه على مستوى المنطقة الشرقية، ومشاركاته في كافة دورات الحواري بالمنطقة، سواء في مدن الخبر، والدمام، ورأس تنورة، والجبيل، فضلا عن بلدات وقرى المحافظة، يرى الزاهر الذي قضى أكثر من 40 عاما في ساحات الملاعب، وحقق أكثر من 50 بطولة، أن "هدفه من دخول الرياضة هو خدمة الناس، وزرع المحبة فيما بينهم، وتحقيق التقارب بين أبناء المجتمع"، لذلك فهو يرفض أن يطلق على فريقه اسم "فريق حوار"، بل هو عبارة عن ناد مصغر، فمن جهة، فإن الفريق لديه إدارة جادة تتابع كل صغيرة وكبيرة في الفريق، وتحرص على مستقبل اللاعب رياضيا واجتماعيا، حيث يتم مساعدته في مختلف الظروف، وإذا لا سمح الله تعرض إلى إصابة، تتم معالجته على حساب الفريق في أي مكان من المملكة، بل إن كل لاعب لديه ملف خاص، فيه سيرته الذاتية وصوره، ويتم تسليمه الطاقم الخاص به، وكافة المعلومات المتعلقة به. ويؤكد الزاهر أن أهدافه من هذه الفريق قد تحققت بنسبة 80%، وهو يسعى لتحقيق ما تبقى من النسبة، كي يصل إلى فريق رياضي أكثر تميزا، وأكثر عطاء. الزاهر أعرب عن أمله في أن تحذو كافة فرق الحواري حذو فريق "العربي"، بأن يكون لها إدارة، وصندوق مالي للدعم، لا أن تعتمد على فرد واحد، مؤكدا على "أهمية الاهتمام بجيل الشباب، ومتابعة حياتهم اليومية، كي لا يكونوا في مجالات مضادة للمجتمع، ولأنفسهم". الستون لم ترهقه رياضيا أما فيصل الفرج، الذي دخل الملاعب وعمره 17 عاما، ولا يزال في خدمة الرياضة ومحبيها، رغم أن عمره قد تجاوز الستين عاما، فيقول إن "فرق الحواري في محافظة القطيف، باتت برنامجا يوميا لدى الجميع، فهناك 40 تشكيلا نطلق عليه اسم "فريق"، هذا فضلا عن فرق الديوانيات، وفرق الاستراحات. فالنشاط مستمر خلال الأسبوع"، مضيفا في معرض حديثه ل"الوطن"، أننا "من خلال هذا الإطار نقدم خدمة للمجتمع من خلال الرياضة، فكلنا يعرف أن كافة اللاعبين الكبار لدينا، وممن كان لهم صولات وجولات في الملاعب، كانوا في الأصل لاعبين في فرق الحواري، بالتالي فدورات الحواري ومبارياتهم، هي إطار فعال لخدمة الأندية الرسمية، ومنها لخدمة المنتخبات الوطنية". ويقترح الفرج لتطوير نشاط الحواري "تخصيص ملعب مزروع في كل حارة، أو في كل منطقة، على أن يتم تزويدها بالإنارة، ولا يمنع أن تخضع برامج الحواري لإشراف المسؤولين في رعاية الشباب"، لافتا إلى أن "فرق الحواري في العديد من الدول، تحظى برعاية مباشرة من قبل المسؤولين عن الرياضة في تلك الدول، حيث يطلق عليها اسم الفرق الشعبية". مطالب بملاعب للحواري أما الكابتن على فريحين، والذي قضى 30 عاما في الملاعب، حتى بات يطلق عليه اسم "مهندس الملاعب"، بحكم خبرته في إنشاء الملاعب من "العدم"، والقيام بصيانتها، وتخطيطها، وفق المقاسات الرسمية للملاعب، فهو بدوره يطالب الرئاسة العامة لرعاية الشباب ب"أن توفر ملاعب ومنشآت رياضية للحواري، فالملاعب التي يتم اللعب فيها في الوقت الحاضر، هي بمثابة أراض في المخططات الجديدة، يتم إنهاؤها بمجرد أن يصلها التخطيط والعمران، فيضطر الرياضيون إلى الانتقال إلى مكان آخر". مشيرا إلى أن "فرق الحواري لم تعد كما كانت في السابق، فهي الآن بمثابة تدريب لبعض اللاعبين، كي يكونوا محترفين، أي أنها مدرسة للاعبين، كي يمارسوا مهنة كرة القدم مستقبلا". منجم النجوم جاسم البيابي اعتبر من جهته، أن "فرق الحواري هي الأصل في اكتشاف وإنتاج اللاعبين، وهناك نجوم دوليون كانوا من الأصل لاعبين في فرق الحواري، بالتالي نجد من الضرورة أن يكون هناك تنسيق بين الأندية والفرق لاكتشاف اللاعبين، وأن يتم تغيير الانطباع السلبي عن فرق الحواري، التي لم تعد فرقا للرياضة فقط، بل باتت تقوم بأدوار لا تقوم بها بعض الأندية، مثل المساهمات الخيرية، ورصد المتفوقين وتكريمهم من قبل فرقهم". وأعرب عن أمله أن "يتم التوجه لهذه الشريحة من المجتمع، من خلال تخصيص مواقع خاصة لملاعب الحواري، وأن يتم عليها منافسات للأحياء تحت إشراف رعاية الشباب، وهو الأمر الذي كان يطالب به رئيس نادي النصر سابقا، المرحوم الأمير عبد الرحمن بن سعود".