محمد العتيبي يتمتع البعض بقدرة هائلة على القيام بمسؤولياته وواجباته الأسرية والاجتماعية دون أن يتأثر بالأحداث والمواقف السلبية التي يواجهها بشكل يومي، وذلك حين يفصل بين مشاعر القلق التي تعتريه وبين اللحظات السعيدة بحيث لا ينقلها معه من مكان لآخر، ومن بيئة متوترة إلى بيئات أخرى بحاجة للهدوء وضبط النفس، فتجده على سبيل المثال لا يحمل همّ العمل وضغوطاته إلى البيت، وكذلك -لا قدر الله- عندما يكون البيت مضطربا فإنه يتمكن -بفضل لياقته النفسية العالية ومرونته الذهنية- من تجاوز تلك الظروف والمشاعر السلبية التي تستهلك الذهن وتستنزفه، وفي الطرف الآخر لا يستطيع كثير من الناس السيطرة على نفسه، فتجده مثقلا بالهموم ومشحونا بالتوتر، متنقلا به أينما توجه وحل، فحين تواجهه الضغوط في عمله يفرغها في زوجته وأطفاله أو في والديه وإخوته، أو حتى في طريقه، ربما شتم وسب قائدي السيارات وعمال النظافة في الشوارع!. ومهما حاول أحدنا أن يكون أكثر هدوءا عندما تتغير الحالة النفسية بسبب الظروف الحياتية فغالبا للأسف يطغى علينا ذلك القلق، ويمنعنا من قيادة مشاعرنا وانفعالاتنا إلى بر الأمان الذي لا يؤثر على تعاملنا مع غيرنا، والحل الوحيد من وجهة نظري -مهما حاولنا من إيجاد الحلول- هو في أيدينا، حيث يتوجب علينا أن نتذكر عند الانتقال من مكان لآخر بأن الآخرين ليس لهم ذنب في تقلباتنا المزاجية، ولا بد أن نخوض هذا التحدي مع أنفسنا، ونحدثها في كل حين ونهيئها لتكون في أفضل حالاتها، فمثلا لو كنت عائدا للبيت من العمل أو من أي مكان فحاول أن تضع كل ما تحمله من ضغوط وتوتر قبل أن تدخل، وقل في نفسك سأدخل البيت وسأبتسم في وجه زوجتي وأطفالي، وسأعانقهم وأتفاعل مع أجوائهم وأعيشها وأشاركهم اللعب مهما كانت حالتي النفسية، وسأقابل والديّ بابتسامة وأتوقع منهما أي أوامر -فطاعتهما من البر ونؤجر عليها- أو ربما يفتح موضوع ليس في وقته، وحتى عندما تذهب للعمل أو الأصدقاء تذكر أن تفصل كل ما يقلقك ويحرمك الاستمتاع بوقتك معهم، وحدث نفسك: سأسلم عليهم مبتسما في وجوههم، وسأجتمع بهم وأمازحهم وسنأكل سويا، وسأقضي وقتا ممتعا، ولديّ أعمال محددة سأقوم بها بكل إيجابية ونشاط... الخ. فالمسألة باختصار هي ما نبرمج عليه أنفسنا ونهيئها لكي لا نخلط بين الأمور، ولكي نتعايش ونندمج مع كل من نتعامل معهم دون أن يصدر منا ردات فعل سلبية لما نحمله من ضغوط داخلية تؤثر على سلوكنا، إذ ليس لهم ذنب بما يخالجنا من شعور، ومن العقلانية أن نتوازن في جميع تعاملاتنا، وعن نفسي غالبا أسعى جاهدا أن أخفي أي مشاعر سلبية تتملكني، ولكني أحيانا للأسف أفشل في كبح جماحها! جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري والترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقاً فأعطِ كل ذي حق حقه)، وهذا يدل على التوازن، وأن للآخرين حقوقا علينا من ضمنها أن نعاملهم كما نحب أن يعاملونا، فلنعش اللحظة وننسى ما يكدرنا ويؤلمنا -ولو مؤقتا- ونستمتع بكل تفاصيل حياتنا، ولنكن طاقة إيجابية لمن حولنا، يستبشرون ويفرحون عند رؤيتنا ولنثق ثقة تامة بأن الاستسلام للضغوطات وللتصورات السلبية وجعلها تستحوذ علينا سيفاقمها، ولن نستطيع السيطرة عليها مهما فعلنا. والمسلم يتذكر دائما أن الابتلاء سنة كونية، ولن يستطيع رد الأقدار، ولذلك فليكن شعارك هو التسليم والرضا لأمر خالقك، عز وجل، وأن تعود نفسك وتدربها على التجاهل والتغافل لتعيش مطمئنا متقبلا لكل الأحوال والظروف، بكل مرونة وتحكم ذهني عالٍ، وبالتكرار تتولد العادات. في الختام: البعض يحرص على مأكله ومشربه وشؤون حياته غير مهتم بتغيير طريقة تفكيره، وفي الوقت نفسه يتساءل لماذا لم تتغير فيني بعض العادات السلبية!.