بينما تحاول الحكومة الفرنسية تجاوز الأزمة الناجمة عن أعمال العنف غير المسبوقة والفوضى التي شهدتها باريس السبت الماضي، في إطار احتجاجات «السترات الصفراء»، رفض الرئيس إيمانويل ماكرون أن يدلي بأي تصريحات حول ذلك، وذلك بعد اجتماع أزمة عقده مع وزراء رئيسيين حول هذا الموضوع. ويبدو أن هذا التمهل يعود إلى صعوبة السيطرة على تحرك «السترات الصفراء»، القادمين من شرائح اجتماعية متوسطة، وإلى الأثر الكبير الذي خلفته صور أعمال الشغب في وسط باريس على العديد من الفرنسيين. وأوضح قصر الإليزيه أن ماكرون طلب من رئيس الوزراء إدوار فيليب أن يستقبل، دون تحديد موعد، «قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان وممثلين عن المتظاهرين»، تحت عنوان «الحرص الدائم على الحوار». وقبل ذلك اتخذ ماكرون خطوة رمزية، فزار معلم قوس النصر الذي تعرض السبت لأعمال تخريب، في اليوم الثالث من تحرك «السترات الصفراء» الذين ينددون بسياسة الرئيس الاقتصادية والاجتماعية، وخلال تفقده المكان، أطلق العديد من السترات الصفراء صيحات الاستنكار والتنديد. ورغم انتهاء اجتماع «خلية الأزمة»، دون الإعلان عن أي نتائج، فقد أشار وزير الداخلية كريستوف كاستانير، إلى أن قوات الأمن تعمل على «تكييف الأساليب المستخدمة للحفاظ على النظام»، الأمر الذي اعتبره مراقبون «تهديدا مبطنا» للمحتجين. وقالت مصادر، إن الرئيس ماكرون طلب من وزير الداخلية، وقادة الشرطة، تغيير التكتيكات المستخدمة من أجل الحفاظ على النظام في العاصمة باريس ووقف أعمال الشغب.
أضرار بالغة كانت الأضرار واضحة بشكل خاص على طول جادة «لا غراند أرميه» قرب مستديرة قوس النصر، من حيث بدأت المواجهات التي أوقعت أكثر من 133 جريحا وأدت إلى اعتقال نحو 400 شخص، فيما بقيت السيارات والدراجات النارية المتفحمة حتى صباح أول من أمس في الشوارع، وحولها تشاهد كثير من واجهات المحال المحطمة، في حين تتوزع بقايا القنابل المسيلة للدموع على الشوارع والأرصفة. كما عادت الحركة مجددا، أول من أمس، إلى محيط قوس النصر، وشوهد كثير من السياح وهم يتجولون في جادة الشانزيليزيه الشهيرة ويلتقطون الصور، فيما أفادت مصادر بأن الحكومة الفرنسية ستقترح عقد حوار في البرلمان حول أزمة التظاهرات غدا. القبضة الحديدية قال مراقبون، إن التحركات الفرنسية الأخيرة تؤشر إلى توجه الحكومة الفرنسية لاستخدام «القبضة الحديدية» ضد المحتجين. وأوضح رئيس شرطة باريس، ميشيل ديلبوش، إن قلب المدينة تعرض «للعنف بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ عقود»، لافتا إلى أن المتظاهرين رشقوا رجال الشرطة بمقذوفات فولاذية خطيرة. وبينما يرفض ماكرون العودة إلى حالة الطوارئ، التي لوح بها وزير الداخلية كحل أخير لفرض الأمن، والتي استمرت لعامين تقريبا بعد الهجمات الإرهابية في نوفمبر 2015، فإن الاحتجاجات تشكل أكبر تحدٍ لسياساته الاقتصادية التي يبدو أنه لن يتراجع عنها. وهدد قادة من أصحاب السترات الصفراء، التي تقود الاحتجاجات، بالعودة إلى باريس مجددا نهاية هذا الأسبوع، ما لم تستجب الحكومة لمطالبهم، محذرين من تصعيد تحركاتهم في الشارع.