محمد آل مرشد التعامل بالمثل سنة في الحياة، وهو مبدأ حياة عام، لا يمكن إنكاره أو وصفه بما يسيء، فهو مبدأ أقرته الشرائع السماوية والأخلاق، وأكد عليه الكثير من علماء النفس والفكر وغيرهم كمبدأ يحافظ على الكرامة الإنسانية، حيث يتوافق مع المنطق السليم، وهذا المبدأ ينبثق من فطرة الإنسان بالكيل بذات المكيال الذي يكيل به الآخرون له، فيعرفه علماء النفس بالرد على أمر إيجابي بمثله وعلى آخر سلبي بمثله، أي تكافؤ التعامل بالأفعال والأقوال، فيعمل الكثيرون على هذا المبدأ، فمن يزرني أزره ومن يدعني أدعه، ومن يعدني أعده، ومن يهاتفني أهاتفه، حتى أصبح البعض ينظر إلى القيم المقدمة أيضا فإن عادني وجلس ساعة أجلس عنده ساعة، وإن أهداني هدية نعد عليه بهدية مشابهة بالقيمة وهكذا، محسوبة بمبدأ المعاملة بالمثل، وهو مبدأ لا يعيبه شيء في الحقيقة، فهو ينطلق من مبدأ العدالة، فحتى الدول تتعامل بهذا المبدأ لكونه يحافظ على الهيبة والكرامة والحقوق.. فمن حق الإنسان أن يعامل الآخرين بنفس المكيال ونفس المقياس الذي هم اختاروه ونهجوه قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين).. فإن عاملك أحدهم بالحسنى فترد الحسنى بمثلها، (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)، وهنا تقدم الأفضل، وهو حيوا بأحسن منها، إلا أنه أضاف أو ردوها أي بمثلها وهي قسط عدل..! نتعامل مع الآخرين بالمثل لأننا نعاملهم شخصيا بنفس مكيالهم الذين اكتالوا به علينا، لا يمكن أن أقول إن هذا المبدأ هو مبدأ سيئ، بل هو مبدأ عادل سليم ويتوافق مع النفس الإنسانية، يتوافق مع عنفوانها وعزتها، وفيه كثير من الصح، ولا يمكن لأحد أن يعيبه أو ينتقص منه، ولكن وبكل تأكيد يجب إعادة النظر في هذه المعادلة والنظر إليها من زاوية أخرى، هي زاوية جمالية، زاوية العطاء دون الانتظار، زاوية المفاضلة، زاوية الهبة وزاوية العمل لله، نعامل الناس لوجه الله، ومن هذا المنطلق نترفع عن معاملتهم هم لنا، ونعاملهم كما يحب الله -سبحانه-، ونفاضل بذلك أفعالنا على أفعالهم، تصرفاتنا على تصرفاتهم، فالأفضل أن يكون الإنسان معطاء أكثر للخير والجمال والخلق، وهو ما يرفع الإنسان درجة عن صاحب الخلق الذي يتعامل بالمثل..! يمكن القول إن للتغاضي عن هفوات أو تقصير الآخرين، خاصة ممن هم حولنا، فوائد كثيرة نذكر إحداها وهي على المستوى النفسي، حيث بتجاهل سقطاتهم وتقصيرهم واتباع مسلك الكرماء الذين يعطون دون رجاء لعطاء مقابل، هذا التفكير يسقط عن كاهلنا صراعا نفسيا قد نقع به ونعانيه في حالة هل نفعل ونتعامل كما عاملونا أم لا؟ هل أتقدم بالمبادرة أم أنه لا يستاهل، هل أقدم الواجب أم لا، إنه لم يتقدم لي بواجب.. هذا الصراع يكون في كل مناسبة تحصل تسبب صداعا للإنسان عندما يبدأ يوازن هل من الأفضل أن يقوم بالمبادرة بالواجب، أم أنه يكتفي بالتعامل بالمثل ويصعب عليه تناسي ما حدث، لأن فلانا لم يقم بهذا.. خاصة إذا كان التعامل مع ذي قربى. بلا شك أن هذا التنازل، إن صح التعبير، هو أمر يصعب على النفس الإنسانية، ولكن إذا ما أردنا بذلك وجه الله فيكون الأمر أسهل ويكون الجزاء من الكريم أجود. لا أعرف حقيقة هل العتاب وسيلة لتصحيح الأخطاء والوقوف عند العثرات لرفعها وبيان سخطنا من معاملة ما بدرت من فلان مثلا، فتكون مقدمة لعلاقة أفضل لاحقا، هذا الأمر يعتمد كثيرا على تقبل الطرف الآخر الملاحظة والانتقاد وشرح أسباب العتب، فقد يثمر مع أحد وقد يزيد الطين بلة مع آخر، فأتصور أن القفز عليه كوسيلة تقارب أفضل من استخدامه، ولو أن البعض يقول «عاتب إن ردت قربهم وعاملهم بالمثل إن ردت رحيلهم..». فلنحاول أن نجد الطريقة الأمثل للتجاوز عن أخطاء الآخرين والتغاضي عن تقصيرهم، فنترفع ونرتفع درجة أفضل، فهذه الطريقة التي حثنا عليها الرحمن الرحيم العليم الحكيم لها، فهذه هي الوصفة الإلهية التي ليس كمثلها وصفة لكي نتعامل حتى مع من أخطؤوا بحقنا أو حتى الأعداء منهم الذين يكيدون لنا أن ندفع لهم بالحسنة، فهي صدقة تحمي صاحبها.. قال تعالى وقوله الحق وطريقه الحق: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، إن لم تستطع أن ترفع أحدهم لمستواك فلا تسمح له بأن ينزلك لمستواه..ارتفع درجة، وعامل بما يحب الله وتحب أن يعاملك الناس به..!