نشرت مؤسسة "راند" الأمريكية للأبحاث في شهر مايو الحالي تقريراً حول تزايد حالات التطرف داخل الولاياتالمتحدة بين سبتمبر 2001 إلى نهاية 2009. وقال تقرير راند إنه خلال هذه الفترة، كانت هناك 46 حالة تحول إلى التطرف الإسلامي وتجنيد في الحركات "الجهادية" في الولاياتالمتحدة. في بعض هذه الحالات، تآمر أشخاص يعيشون في الولاياتالمتحدة للقيام بعمليات إرهابية داخل أمريكا؛ ووجهت الاتهامات إلى البعض بتقديم دعم مادي لمنظمات إرهابية أجنبية؛ وغادر البعض الولاياتالمتحدة للانضمام إلى منظمات "جهادية" في الخارج. جميع هؤلاء الأشخاص يمكن أن يصنفوا على أنهم "إرهابيون محليون". قد يبدو هذا العدد من حالات التطرف خلال حوالي ثماني سنوات كبيراً، لكن معدَّل الذين شملتهم كل حالة كان حوالي 3 أشخاص، ونصفها اشترك فيها شخص واحد فقط. مجموع المتورطين في جميع هذه الحالات ال 46 كان 125 شخصاً. ومع أن هذا الرقم لا يبدو كبيراً فإن تسجيل 13 حالة خلال عام 2009 فقط يشير إلى ارتفاع ملحوظ في حالات التطرف، وذلك مقارنة مع معدل 4 حالات سنوياً بين 2002 و 2008. وفي عام 2009، كان هناك ارتفاع ملحوظ أيضاً في عدد الأشخاص المتورطين في كل حالة، فبينما كان عدد المتورطين في نشاطات إرهابية بين 2002-2008 هو 81 شخصاً، شهد عام 2009 وحده تورط 42 شخصاً. كما تمت إدانة شخصين في يناير 2010 في مؤامرة اكتشفت في عام 2009، وبهذا يصبح المجموع 125. ويقول تقرير راند إن معظم المتورطين في هذه الحالات هم مواطنون أمريكيون، بعضهم من أصول عربية أو آسيوية. ويلاحظ أن هناك أكثر من 3 ملايين مسلم يعيشون في الولاياتالمتحدة، انضم حوالي 100 منهم فقط إلى الحركات الإرهابية – أي أن نسبتهم لا تتجاوز 1 من بين كل 30 ألفا - وهذا يدل على أن الأمريكيين المسلمين عموماً يتخذون موقفاً معادياً من الفكر المتطرف ودعواته الإرهابية، لذلك فإن الدعوات التي تشهدها بعض أجهزة الإعلام الأمريكية للتشكيك بالجالية المسلمة تُعتبر غير مبررة. الكثيرون من الذين انضموا إلى الحركات "الجهادية" بدؤوا رحلتهم انطلاقاً من شبكة الإنترنت، حيث وجدوا صدى لأسباب سخطهم وأشخاصاً يتفهمون غضبهم ويوجهونه بطريقتهم الخاصة. بعض المجندين اكتسبوا خبرة في الشارع. هناك 23 على الأقل لديهم سجلات سوابق إجرامية بتهم متعددة مثل الاعتداء والسطو المسلح وتجارة المخدرات، لكن الأهم هنا هو النوايا وليس القدرة. جميع الحالات ال 46 تبيِّن نوايا جدية. كان أولئك الأفراد مستعدين ليتحولوا إلى إرهابيين. بعضهم كانوا سذجاً، وبعضهم مغامرون، وبعضهم تم تضليلهم، لكن العديد منهم كانوا بلا شك صادقين في غضبهم وتصميمهم، بعد أن قفزوا إلى خانة الإرهاب المسلح. ومع أن التطرف والتطوع في الحركات الإرهابية سبب يدعو للقلق، إلا أن التهديد الحالي يجب أن يوضع في منظوره الحقيقي. حجم النشاطات الإرهابية داخل الولاياتالمتحدة كان أكبر بكثير خلال السبعينيات من القرن العشرين. شهد ذلك العقد 60-70 حادثاً إرهابياً على الأراضي الأمريكية، كما أن عدد الذين قتلوا بين 1970-1978 نتيجة حوادث إرهابية كان 72 شخصاً، أي حوالي خمسة أضعاف الذين قتلوا على يد الإرهابيين الإسلاميين في الولاياتالمتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر. مفهوم أمريكا للتهديد الإرهابي اليوم يختلف كثيراً عمَّا كان عليه منذ 35 عاماً. لم يعد الخوف يقتصر على وقوع انفجارات صغيرة هنا وهناك، كما كان عليه الأمر في سبعينيات القرن الماضي، بل تحول إلى خوف من حوادث على شاكلة أحداث سبتمبر أو استخدام الإرهابيين لأسلحة بيولوجية أو نووية. لذلك تم منح صلاحيات واسعة للسلطات الأمريكية لمنع وقوع حوادث إرهابية، لكن هناك تخوفا من أن تتم إساءة استخدام الأساليب القاسية مما يعرض لفقدان الثقة بالعمليات الاستخباراتية ويثير غضب الرأي العام ويقلص من تعاون السكان المدنيين. وجدير بالملاحظة أن فرض القانون على الطريقة التقليدية، أي أن تقوم السلطات بالتعرف على الفاعل واعتقاله بعد حدوث الجريمة، ليس كافياً للتعامل مع الإرهابيين الذين يريدون إيقاع أكبر قدر من الأذى حتى لو أدى ذلك إلى قتلهم أيضاً. والسلامة العامة تقتضي اتخاذ إجراءات وقائية قبل وقوع الهجوم. طالما بقي التطرف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية حقيقة واقعة، يجب أن يستمر جمع المعلومات الاستخباراتية والقيام بعمليات أمنية لعرقلة نشاطات الإرهابيين وكشف مخططاتهم، وتثبيط أولئك الذين يفكرون باللجوء إلى العنف. ومن خلال منع العمليات الإرهابية، تتمكن السُلطات أيضاً من احتواء ردود فعل السكان المحليين، وتبعد الشكوك غير الضرورية، وبذلك تتمكن من حماية الجالية المسلمة من التمييز الرسمي والعمليات الانتقامية الفردية. وفي الوقت نفسه، يجب بذل جهود واسعة لكسب تعاون الجالية المسلمة. هذه الجهود يجب أن تعمل على تبديد مخاوف المسلمين وشكوكهم تجاه السلطات المختصة. الأصدقاء والأقارب يعرفون عادة أكثر من السلطات إذا كان شخص ما يتجه نحو التطرف. في بعض الأحيان، تدخل بعض الأقرباء والأصدقاء وقدموا النصائح اللازمة، ولكن هل يثقون بالسلطات كفاية لإبلاغها في حال لم يتمكنوا من إقناع الشخص المقصود؟ هذا هو أحد أهم الأهداف التي يجب على السلطات أن تسعى إلى تحقيقها. لكن منع وقوع الهجمات لا يكون ناجحاً دائماً. ستحدث محاولات أخرى، وقد يؤدي بعضها إلى إراقة الدماء، لذلك فإن هناك حاجة إلى الإجراءات الأمنية التقليدية، جمع المعلومات الاستخباراتية، وتعاون الأصدقاء والأقارب، وضبط ردات فعل السكان بحيث لا يتم إشغال الجهات الأمنية ببلاغات لا داعي لها، كما يجب تجنب تصوير التهديد الإرهابي بشكل مبالغ به. إذا أظهرت أمريكا ضعفاً نفسياً فإن الإرهابيين سيجدون دافعاً للاستمرار وسيستمر الإرهاب. الارتباك رسالة خاطئة يجب ألا ترسلها أمريكا إلى أعدائها.