عقد رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل الأمل على أن يتوصل مؤتمر "فكر9" - الذي انطلقت فعالياته أمس في بيروت- إلى "اكتشاف الأساليب الحديثة والفاعلة التي تحفز الوعي بدور العرب الحضاري، وتطلق قدراتهم الآنية لصناعة المستقبل بالبناء على الإرهاصات النهضوية التي تلوح في الأفق العربي في أكثر من مكان". قائلا "إن هذه الإرهاصات تدركها العين المنصفة في الكثير من مبادرات الأعمال، وتحديث الأفكار والتقنيات والوسائط، التي تأخذ دورها في صنع الحضارة، بالإبداع، والتلاحم الاجتماعي، وروح المبادرة، واستمرار التعليم القائم على أسباب العصر وآلياته". وتابع الفيصل "هكذا يحدونا الأمل في إحياء تشكيل يجمع بين هذه المقدرات التنموية، في كل الوطن العربي، نجابه به تحديات الضعف والشتات، ونعزز من خلاله توظيف هذه المقدرات، في خدمة مشروع أمتنا الحضاري"، لافتاً إلى أن "مؤسسة الفكر العربي إذ تواكب الاهتمام العربي والإسلامي، بالحوار بين الثقافات والأديان، الذي تبناه وأطلق شعلته خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تؤمن بحكمة الانفتاح على ثقافات العالم، وتسعى لتعزيز الحوار الموضوعي معها، والبناء على المشتركات وما أكثرها، وإقامة الشراكات التي تحقق النفع للجميع"، معتبراً "أننا نسعى بذلك إلى أن تسود ثقافة العمل من أجل أن يسود السلام القائم على العدل والتكافؤ والتعاون- في ربوع المعمورة، بديلا عن الصراع والتناحر، الذي يهدر الطاقات الإنسانية، ويهدد السلم العالمي". كما أعلن الفيصل رسمياً عن إنشاء مركز للأبحاث والدراسات تابع للمؤسسة، يتولى طرح القضايا الهامة المستجدة لأمتنا العربية، ويقدم الرؤى الكفيلة بمعالجتها كما تم إطلاق مرصد لحوار الثقافات، يستعد الآن لإصدار تقريره الأول، عن حالة هذا الحوار في العالم، من أجل الإسهام في تبديد الهواجس بين الأمم". وأكد الأمير خالد أن "المؤتمر في دورته التاسعة، يتبنى موضوعاً بالغ الأهمية، عن الدور الحيوي الواجب والمستحق لأمتنا العربية، في خطط العالم نحو المستقبل، على مرجعية دورها السابق في مسيرة الحضارة الإنسانية، وثراء حاضرها بالفرص والإمكانات، التي تؤهلها مجدداً لدور فاعل في صناعة هذه الحضارة، باعتبار أن الحضارة الإنسانية واحدة، تتناوب الأمم أدوار التأثر والتأثير في صناعتها، والتعاطي مع مخرجاتها إرسالاً واستقبالاً فيما بينها". وشكر الأمير خالد الفيصل في كلمته بحفل افتتاح مؤتمر "فكر 9" بحضور رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ "لبنان العروبة، على احتضانه هذه المؤسسة منذ قيامها، وتقديمه كل العون لفعالياتها، وبخاصة تلك التي انتظمت على أرضه، طوال سنواتها العشر". وأشار الفيصل إلى أن "المؤسسة صممت على عقد مؤتمرها السنوي اليوم في دولة المقر لبنان، تضامناً مع هذا البلد العزيز على قلوب العرب جميعاً، وحرصاً على تخطيه الظرف الراهن، وتكريس وحدته الوطنية، بانخراط كافة أطيافه تحت لواء شجرة الأَرز". ولفت الفيصل إلى أنه "في هذا العام، حيث تحتفل مؤسسة الفكر العربي بمرور عشر سنوات على قيامها، كان لها حضور في أكثر من مناسبة، وكانت بيروت أكثر المواقع احتضاناً لمناسباتها. ففي مطلع العام، جاءت جامعة الدول العربية أولى المحطات، للمشاركة في الاجتماع التمهيدي للقمة العربية الثقافية، التي طرحت فكرتها المؤسسة أواخر العام الماضي من بيروت التي استضافت المؤتمر التحضيري لها، الذي نظمته المؤسسة تحت مظلة الجامعة العربية، منتصف العام الحالي. وفي سبيلها لإنقاذ اللغة العربية من حالة الكساد والانكسار التي تعانيها، شهدت شوارع هذه العاصمة وساحاتها، تظاهرة كبرى ومهرجاناً حافلاً لهذا الغرض". وتابع الفيصل "وفي إطار اهتمامِها بتطوير التعليمِ العربي، حيث نَظّمت له خمسةَ ملتقياتٍ سنوية، ومشروعاً تطبيقياً للتعليم الرقمي؛ وقبل أيام وقَّعت المؤسسة، مذكرة تفاهم لمشروع شبكة التطوير التربوي العربي مع مكتب اليونسكو الإقليمي، لمدّة ثلاث سنوات قابلة للتجديد"، كاشفاً أنه "سيتم اليوم "أمس" التوقيع على عقد المرحلة الثانية من مشروع التطوير، المستندِ إلى المدرسة في البلاد العربية "تمام 2"، مع الجامعة الأميركيةِ في بيروت، بعد نجاح المشروعِ في مرحلته الأولى. كما دفعت المؤسسة في الوقت ذاته بتقريرها السنوي الثالث، عن واقع التنمية الثقافية في الوطن العربي، الذي حظيت إصداراته باهتمام كبير على الساحة العربية". وقال الفيصل: "كان لا بد للاحتفالية من وقفة تأمل بين عقدين من الزمن، فاحتضنت بيروت ورشة عمل لهذا الغرض، شاركت فيها نخبة من المفكرين العرب، من داخل المؤسسة وخارجها، لتقييم أعمال المؤسسة خلال عقدها المنصرم، والتخطيط للعقد القادم بما يكفل تسريع حركتها، وتعظيم تأثيرها في خدمة أهدافها المتعلقة بمشروع النهضة العربية. وقد اتسمت أعمال الورشة بالمصارحة والشفافية والعلمية، وخلصت إلى إعادة هيكلة المؤسسة بما يواكب أغراض التطوير، ويضمن النجاح لبرامج التحديث التي اعتمدت". وأعلن الفيصل إنشاء مركز للأبحاث والدراسات تابع للمؤسسة، يتولى طرح القضايا الهامة المستجدة لأمتنا العربية، ويقدم الرؤى الكفيلة بمعالجتها كما تم إطلاق مرصد لحوار الثقافات، يستعد الآن لإصدار تقريره الأول، عن حالة هذا الحوار في العالم، من أجل الإسهام في تبديد الهواجس بين الأمم". وختم الفيصل كلمته بالقول: "أسأل الله – جل وعلا – أن يسهم مؤتمركم الموقر في تحقيق هذا التوجه الإنساني النبيل"، متوجهاً بالشكر إلى كل الرعاة، والقائمين على المؤتمر، والمساهمين في تنظيمه". وكان أمين عام مؤسسة الفكر العربي سليمان عبدالمنعم قد ألقى كلمة في بداية حفل الافتتاح جاء فيها "في هذا المؤتمر، كما في العديد من مبادراتنا ومشروعاتنا نشغل بأسئلة المعرفة والثقافة"، معتبراً أنه مهما سعينا لاختزال الثقافة في تعريف ما، فهي تظل حاضرة في السياسة والاقتصاد، وفي كل مجالات النشاط الإنساني"، وأضاف: "لا ندعي تقديم إجابة، لكن لا نكف عن طرح الأسئلة". عقب ذلك ألقى رئيس لبنان العماد ميشال سليمان كلمة قال فيها "يسعدني التئام عقدكم في بيروت بعد أن مرّت عشر سنوات نشطة على إنشاء مؤسستكم واختيار عاصمتنا مقرّاً لها. وأحسب أنّه في اختياركم هذا شهادة لدور لبنان غير المنقطع في خدمة النهضة الثقافيّة العربيّة. ولعلّنا نتلقّاه في الوقت نفسه بصيغة دعوة متجدّدة للبنانيين أن يبقوا أوفياء لهذا الدور: يثيرون الأسئلة ويفتحون المسالك ويتطلعون إلى المستقبل ويعملون من أجل الوصل ما بين العرب عن طريق التفكير المشترك والتبادل والحوار وفيما أكبر مجهوداتكم الكثيرة وأثمّن ما أوتيت من ثمار، أتوسّم في مؤتمركم اليوم، الذي يجمع كوكبة من أهل المعرفة والرأي، اندفاعة في مسار أطلقه ورعى تقدّمه بهمّة واهتمام سموّ الأمير خالد الفيصل". وأكد سليمان أن "التحدّي اللبناني القائم على إشراك جميع الفئات والطوائف في السلطة وإدارة الشأن العام وليس فقط مجرّد السماح لها بمساحة العيش جنباً إلى جنب، يزيد من حجم مسؤولياتنا كلبنانيين وكعرب لإنجاحه، في وجه بروز نزعة أصوليّة في الشرق تسعى لرفض الرأي الآخر، وأصوات باتت ترتفع في الغرب لتشكك في إمكانيّة نجاح نماذج العيش والحكم القائمة على التعدديّة الثقافيّة". وتوجه إلى المؤسسة بالقول: "هناك مصالحة أخرى تشغلكم في مؤسسة الفكر العربي، كما تشغلنا في لبنان، وهي تختصّ بالثقافة وبالسياسة، أو بالأحرى بالمسائل الثقافيّة المضمَرة في السياسة أو المحرِّكة لها، عنيت بها المصالحة بين الخصوصيّة العربيّة والإسلاميّة وبين المبادئ والقيم التي باتت تتسم بصفة الكونيّة. بعبارة أخرى، إنّ السؤال الذي لا يمكن الإعراض عنه هو سؤال علاقة العرب بالعالم وقد ازداد مأساويّة بفعل الاحتلال الإسرائيلي، والإرهاب، والحروب ضدّ الإرهاب والعنصريّة ومعها الثنائيّات المدمّرة، السياسيّة والثقافيّة والدينيّة والمذهبيّة التي لم ننج من حبائلها". وفي ختام كلمة الرئيس سليمان قدم الأمير خالد الفيصل درعاً تكريمياً له.