لم يكن يتوقع الالتفات لكتابه بهذه السرعة على الرغم مما بذله من جهد فيه على مدى اثني عشر عاماً وذلك لأن ركاما كثيفا في العالم العربي يحجب الكثير من الأعمال الجادة. هكذا عبر الباحث المصرى الدكتور سمير أبو زيد عن فرحته بنيل كتابه "العلم والنظرة العربية إلى العالَم: التجربة العربية والتأسيس العلمي للنهضة" جائزة مؤسسة الفكر العربي لأفضل كتاب عربي هذا العام، واصفا الجائزة بمثابة مؤشر سريع على الانتباه للكتاب،وأنها تعطي دفعة للباحثين الجادين لمزيد من البحث والتدقيق في طرح القضايا والموضوعات والبحث عن حلول. ولفت أبو زيد في حديث إلى "الوطن" إلى أن تجربته كانت تتميز بالحرية في البحث وطرح الأسئلة بعيداً عن التعقيدات الجامعية، وقال: بدأت في طرح التساؤلات حول النظرة العربية إلى العالم بشكل متكامل والنظرة العربية إلى العلم ما قادني خلال 12 عاماً إلى تجربة الكتاب، محاولة أو خطوة أولى لأخذ العلم مأخذ الجد وطرحت في الكتاب التساؤل: هل هناك ما يمكن أن نسميه ب "النظرة العربية إلى العالم"؟ متوقفا عند أن العائق الحقيقي أمام تقبل المجتمعات العربية الحديثة والمعاصرة للعلم هو "نظرة هذه المجتمعات إلى العالم"، وهذا العائق يستلزم "إعادة تأسيس" العلم في تلك النظرة. ويوضح أبو زيد الذي ذهب عقب تخرجه في كلية الهندسة بجامعة القاهرة إلى الولاياتالمتحدة الأميركية حتى حصل على الماجستير فى الهندسة من جامعة أوهايو، أنه عمد إلى صياغة ماهية العلم الذي نأمل في تأسيسه في المجتمع من جانب، وصياغة ماهيّة النظرة إلى العالم التي يمتلكها المجتمع، وإنشاء علاقة هذه النظرة بالعالَم، من جانب آخر. ويضيف: طرحت، لهذا، مفهوم "الاتساق" باعتباره المفهوم الجوهري في "النظرة إلى العالَم"، فإذا كان لكل إنسان، أو لكلّ ثقافة، نظرة إلى العالم، فإن السمة الأساسية التي تميز هذه النظرة هي أنها تكون متسقة مع ذاتها ومع العالم الواقعي. وما نجاح الحضارة العربية – الإسلامية القديمة، في الانتشار، في العالم القديم، إلا بسبب "الاتساق" مع الذات ومع العالم. ويقترح أبوزيد اعتماد نموذج من التراث لتحقيق القضية المطروحة (العلاقة بين النظرة العربية والعلم)، بحيث يتسم هذا النموذج بثلاث سمات: أن يكون نموذجاً علمياً، وأن يعتمد المفهوم الاحتمالي للاستقراء، وأن يعتمد عدم الفصل الكامل بين الذات والموضوع. المفكر جزء من مجتمعه وحول ما خلص به من التجربة قال أبو زيد: إن التفكير العربي متنافر مع العلم وذلك في اللاوعي لدى الإنسان العربي حيث إهمال للعلم، فرغم أنك إذا سألت أي إنسان أو أي مسؤول فإنه يعلن أنه مع العلم وحين تنظر في تصرفاته وتحللها تجد أنه يرفض العلم لذا فهناك مشكلة في اللاوعي، كذلك المراكز البحثية في العالم العربي نفسها تعارض العلم لأن أسلوب عملها والعاملين فيها هم ضد العلم. ويدعو أبوزيد العرب لأن يحاولوا فكرياً في أخذ العلم بجدية ليكون جزءاً من نظرتهم إلى العالم لأن النظرة الحالية نظرة سطحية قائمة على "الفهلوة" فالعرب يريدون الحصول على الشيء دون بذل جهد فيه فعلى سبيل المثال يذهب العرب إلى إحضار ما وصل إليه العقل الغربي لاستهلاكه دون تفكير في المشاركة في صناعته حتى على مستوى النظريات الفكرية لا نريد أن نشارك فيها وهذا يعكس أزمة على مستوى الفكر. ويوضح أبوزيد الذي التحق بالعمل عقب الماجستير بشركة مقاولات يمتلكها والده، قبل أن تدفعه ميوله إلى البحث الفلسفي لطريق الفلسفة للبحث والتأمل في فلسفة العلوم وهي ميول كانت موجودة أثناء الدراسة إلا أنها تزايدت، أنه لا يجوز للمفكر أن يكون منعزلاً عن العالم وعن العلم، مفصلا: يجب أن يكون المفكر جزءا من مجتمعه، ولدينا في تراثنا العربي نموذج رائع قدمه عبد القاهر الجرجاني الذي ارتبط بالعلم في واقعه دون الانفصال عن واقعه أو عمقه الديني وقدم علماً حقيقياً عالج به قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وقدم لنا نموذجاً على إمكانية إنجاز علم دون تعارض مع الدين فهو لم يفصل بين الدين وبين اللغة ولم يجعلهما شيئاً واحداً برؤية نستطيع أن نطلق عليها "الفصل والوصل". واختتم أبوزيد حديثه ل"الوطن" بقوله "أنا أرى أنه إذا اجتهدنا فمن الممكن أن نشارك مشاركة حقيقية فى صناعة الحضارة وتجاوز حالة الانسحاب الفكري وذلك بشرط مواصلة فكر النهضة".