في الجزء الثاني من عقد الخمسينات والستينات، والجزء الأول من السبعينات، بل وحتى الثمانينات والتسعينات ميلادية، كان لبنان جاذبا قويا للسياحة، وكان حاضنا للإعلام المكتوب والمرئي في المنطقة. جاءت الحرب الأهلية اللبنانية وسط السبعينات، فتراجعت السياحة، لكنها رغم الحرب حافظت على بقائها واجهة إعلامية مرموقة، ثم جاء عام 1982 ليحمل أملا جديدا للبنانيين، عندما قامت المملكة العربية السعودية بتبني واستضافة المصالحة اللبنانية التي تمت في مدينة الطائف، وأسفرت عما عُرف ب»اتفاقية الطائف»، ثم نجح بعض الزعماء اللبنانيين في أعقاب الحرب -وفي مقدمتهم الرئيس رفيق الحريري «رحمه الله»- في جذب مليارات الدولارات لإعمار لبنان، تلك المليارات التي كان لدول الخليج السقف الأعلى فيها، وتم إعمار لبنان، وبدأ يتعافى الى درجة أن من يعرفون بيروت قبل الحرب عندما زاروها بعد الإعمار وضخ الأموال، قالوا إنها تغيرت إلى الأفضل. وخلال الحرب الأهلية، وبعد اتفاق الطائف، كانت سورية الأسد الأب تلقي بثقلها في لبنان، معللة ذلك الوجود بأنه لدعم المقاومة اللبنانية، وفي مقدمتهم نصرالله وزمرته، والذي كان يعلن أنه سيكون هو وحزبه والميليشيات التابعة له في طلائع المناضلين عن سلامة لبنان ووحدة أرضه وهويته العربية. كان الجنرال عون من أساطين معارضة الوجود السوري في لبنان آنذاك بقوة، أيضا ساعدت المملكة لبنان للنهوض من كبوته، عندما حاول بعضهم الزج بلبنان في الحرب الأهلية مجددا ونشر الفوضى، فقد أسهمت في تهيئة المناخ العام، إذ نجح مجلس النواب اللبناني في انتخاب رينيه معوض رئيسا للبلاد، والذي تم اغتياله بعد أسابيع قليلة من انتخابه، إلا أنه لم يستطع خلالها الوصول إلى القصر الرئاسي بسبب تمرد عون. كان عون يتمترس في قصر بعبدا، مستندا إلى مواءمة غير دستورية كتبها الرئيس أمين الجميّل الرئيس اللبناني الأسبق قبل انتهاء ولايته. نعود إلى علاقة المملكة العربية السعودية بلبنان، وبأثر رجعي، كانت المملكة تعرف التركيبة الديمواجرافية اللبنانية جيدا، ولذلك حرصت أن تكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف. كانت الدبلوماسية السعودية تحرص على تواصلها -وبالذات في وقت الأزمات- بجميع الفرقاء، وفي مقدمتهم مراجعهم الدينية، وكذلك كبار الساسة اللبنانيين وغيرهم. يذكر أن منطقة الشرق الأوسط والعالم مرّا بتقلبات متعددة، إذ نجحت مشاريع وسقطت مشاريع أخرى ونظريات، كانت منها حرب الخليج وأحداث سبتمبر وتفكك الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وقبل ذلك ظهور الأيديولوجية الإيرانية، تلك الأيديولوجية التي لم يعد يكفيها أضغاث أحلام إمبراطورية كسرى أنو شروان وأحلافه من ملوك المناذرة في الحيرة، بل إنها أيديولوجيا توسعية فكرية شبيهة بالماسونية شكلا ومضمونا، حتى وإن لم تستطع فتح الأمصار واحتلال الأرض، فإنها تتربص بالناس وتتصيد الفرص، كي تنقضّ على عقولهم وتحتلها، وتهيمن على أفكارهم وولائهم. وتمضي السنون ويتراجع لبنان، نظرا للنكسات المتتالية التي تعرض لها كل حقبة، نتيجة ولاءته المتعددة، ثم لأنه في الشرق الأوسط يشبه سويسرا إلى حد بعيد. كانت سويسرا بعد الحرب العالمية الثانية مسرحا للدسائس والمكائد الدولية، وكذلك الحال في لبنان مع الأسف، إذ أصبحت مسرحا للدسائس الإقليمية والدولية، فارتاب منها الأشقاء. لم يعد لبنان «فوضى منتطمة كما يقولون»، ولم يعد مركز جذب للسياحة، ولم يعد حاضنا للإعلام. لبنان اختار الاتجاه المعاكس بعد ما أصبح إقطاعية كبرى لنصرالله وحزبه. لقد أصبح حسن نصر الله واللوبي الإيراني الذي يديره يهيمنان على الإعلام ومفاصل القرار في لبنان، وعلى جميع مراكز القوة، بما فيهم رئيس الجمهورية. لقد أصبح عون الذي يقبع في قصر بعبدا كالقطة العمياء، مجرد تابع مطيع لنصر الله يحركه كالدمية، عون وأعوانه -في أفضل حالات حسن الظن والتماس العذر لهم- مختطفون من إيران وأجندته في لبنان. لقد تجلى ذلك الاتجاه المعاكس للمسار اللبناني، في ظهور جريدة لبنانية بالأمس القريب، إذ تضمنت كاريكاتيرا و»مانشيتا» كبيرا لها، إذ تضمن المانشيت والكاريكاتير إساءات بالغة للمملكة، حكومة وشعبا، بعبارات سوقية ورخيصة، تجلى فيها أكبر مشهد لنكران الجميل بطريقة تزكم الأنوف، وتنضح نتانة وحقارة وخسة!. خلاصة القول، ألم يعلم أولئك المأجورون أن الإعلام السعودي قادر على رد مثل هذه التفاهات، ولكنه يترفع عن الانزلاق أمام هؤلاء المرتزقة والسفهاء؟!