منذ انطلاق الترجمة في القرن الثالث الهجري في الوطن العربي وهي حجر زاوية في تاريخنا الثقافي الذي يشيد به الغرب، حيث كان للمترجم العربي دور بارز في تلك الحقبة التاريخية، مما أسهم في تطور الفكر الغربي، ولعل المترجمين العرب هم سادة وسدنة هذا المجال الأدبي والمعرفي بدءا من عبدالله بن المقفع وكتابه كليلة ودمنة وقصص ألف ليلة وليلة التي طارت إلى أرجاء المعمورة عبر الترجمة العربية. من أبرز مشاريع الترجمة التي تناولت ترجمة الأدب السعودي إلى اللغات الأخرى ما قام به أستاذ اللغة الألمانية وفلسفتها بجامعة الملك سعود الدكتور مالك عباد الوادعي عبر إصداره ديوان شعر «نبطي» باللغة الألمانية، ليصنف بعد ذلك كشاعر ألماني من قبل المكتبة الوطنية الألمانية عام 2012، وكان قد أصدر بحثاً يختص بالشأن الثقافي السعودي الألماني بعنوان «التعارف وصيغ الاحترام في التواصل البين ثقافي: التفاهم الثقافي هو الأساس لكل عملية اتصال ناجحة بين الألمان والسعوديين الناطقين بالعربية». الترجمة كائن ثقافي ذو أجنحة يرى الدكتور الوادعي في حديثه إلى «الوطن» أن الترجمة يجب ألا تقتصر على السفر باتجاه لغة واحدة كالإنجليزية مثلاً، بل يجب أن نفتح نوافذ الأدب على كل الجهات واللغات، فالترجمة كائن له أكثر من جناح، إذ يُحضر الدكتور مالك الآن لمشروع ترجمة مجموعة من النصوص الشّعرية ذات القيمة العالية في الأدب الألماني لمجموعة من الشعراء المبدعين في دول ألمانيا والنمسا وسويسرا مثال ريلكه وهولدرلين وغوته وشيلر وهيسه وهاينه وغيرهم. جامعة بون تحتفي بالنبطي يؤكد الدكتور الوداعي أن النص العامي أو ما يعرف ب«النبطي» قابل لأن يقولب في قوالب وأطر الترجمة الأدبية بإمكانية نقله من ثقافة إلى ثقافة أخرى، وكان ذلك تحديا بين الممكن والمستحيل، قائلاً «كان أهم تحدّ واجهني في نقل الرسالة الضمنية والرمزية وما تحمله من تفسيرات متنوعة وما يترتب على ذلك من المحافظة على القوة والإيجاز والإيقاع الموسيقي في النص العربي عند ترجمته إلى الألمانية، واعتمدت في ترجمتي للشعر النبطي في المقام الأول على الرأي الذي قدمه عالم اللغة الروسي رومان جاكوبسون، وهو عملية النقل الإبداعي للنص الشعري من لغة إلى لغة أخرى». التواصل الثقافي السعودي والألماني يرى الوادعي أن التواصل بين الثقافة السعودية والألمانية موجود، ويشهد نموا متزايدا، ويلاحظ ذلك عبر زيادة أعداد الطلاب والطالبات السعوديين المبتعثين إلى الدول الناطقة بالألمانية مثل ألمانيا والنمسا وسويسرا، حيث يعمل ذلك على نقل الثقافة السعودية إلى أبناء تلك الشعوب، مما يساعد في نقل الخبرات التربوية والعلمية. على الجانب الآخر نلاحظ أن لدى الألمان اهتماما كبيرا بالثقافة العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، حيث افتتح فرع لمعهد غوته بالرياض مؤخراً، مما يعزز التعاون الثقافي بين البلدين. الماكينة الألمانية والثقافة أرجع الوادعي ضعف الحضور الثقافي الألماني في المشهد الثقافي العالمي إذا ما قورن بشهرة الصناعة الألمانية إلى عدة أسباب، منها العزلة التي عاشتها ألمانيا بعد تولي هتلر منصب المستشارية وقيامه بإلغاء الدستور الألماني، إضافة إلى مسألة الاستعمار كون المستشار الألماني حينذاك بسمارك كان يرفض التوسع الاستعماري، تجنبا لأي نزاع قد ينشأ مع دول أوروبية أخرى بعكس فرنسا وبريطانيا وغيرهما. الشاشة لن تقتل القلم لا يعتقد الدكتور الوادعي ما يراه الآخرون من أن الشاشة في طريقها إلى سحب البساط من الورقة والقلم في مجال الترجمة، إذ يرى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الترجمة، أو ما يعرف بالترجمة الآلية منذ الخمسينات بين اللغتين الإنجليزية والروسية، حققت فكرة الفيلسوف ديكارت «بأن التقنية تستطيع الدخول إلى الترجمة وعلومها» إلا أنها ما زالت غير قادرة على ترجمة أي نص مكتوب إلى لغة أخرى بشكل خال من الأخطاء تماما دون تدخل الإنسان، لذا نستطيع القول بأن الشاشة والتقنية من جانب والورقة والقلم على الجانب الآخر لا يمكن لأحدهما العمل بنجاح تام دون الآخر. الرياضة كالترجمة عملة ثقافية ناجحة يؤكد الدكتور مالك الوادعي أن الرياضة في الوقت الحاضر أصبحت أكثر ارتباطا بالثقافة، بل إنها تشكل أداه قوية لتوطيد علاقات التعاون بين مختلف الدول. لذا بعض الدول كفنلندا مثلاً الثقافة والرياضة تحت إشراف وزارة واحدة، حيث التنافس السلمي والإيجابي بين الرياضيين يعزز من قدراتهم المتفاوتة، وينمي روح التعاون فيما بينهم، وبذلك فإنه بإمكاننا في السعودية استخدام الرياضة بجانب إتقاننا للغات الأجنبية وبذلك نفتح باباً جديداً لتقديم ثقافتنا للشعوب الأخرى.