كشفت حزمة الوثائق المتعلقة بابن لادن وعلاقته بإيران، عن دخول القاعدة إلى خط الصحوة العربية والثورات الممولة من قطر لصالح الجهاد العالمي، حيث أكدت الوثائق علاقة الإخوان بإيران في خمسينات القرن العشرين، والتشابه الفكري بينهما، ووصلت إلى ذروتها بعد عام 1995 حين احتضنت قطر قيادات الإخوان، ووسعت العمل المشترك بينهم وطهران. كشفت وثائق وكالة المخابرات الأميركية المركزية الأخيرة والمنقولة من جهاز كمبيوتر خاص بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عن العلاقة الوثيقة بين إيران وتنظيم القاعدة، متطرقة في ذلك إلى السبب الحقيقي لتوثيق تلك العلاقة، وهو وجود تشابه للأسس الفكرية المتطرفة بين الجانبين، بنيت في الأساس على فكر جماعة الإخوان المسلمين المتشدد، والذي تأثر به علماء إيران في منتصف القرن الماضي، قبل أن يتبناه تنظيم القاعدة، ويضيف عليه المزيد من العنف والتطرف. وحسب غالبية الباحثين، تعود علاقة الإخوان المسلمين بإيران، إلى بداية حقبة الخمسينات من القرن الماضي، وتحديدا عند زيارة مؤسس منظمة «فدائيان إسلام» مجتبي نواب صفوي مصر عام 1954 ولقائه قادة جماعة الإخوان، ومن ثم دعوته للإيرانيين إلى الانخراط في تنظيم الجماعة. وتكاد فكرة «فدائيان إسلام» أن تتطابق مع فكرة التنظيم السري للإخوان المسلمين، حيث وجود تنظيم سري شبيه بالتنظيمات العسكرية توكل إليه مهمات الاغتيال ومهام خطيرة أُخرى، كما جاء في بحث عباس المرشد «التيارات العابرة للوطنية.. الإخوان المسلمون وإيران»، ضمن كتاب «إيران والإخوان الشيعة القطبيون»، والذي تحدث عن تأثر الإيرانيين بفكر الإخواني سيد قطب المتشدد. سيد قطب وولاية الفقيه يمثل كتاب سيد قطب «في ظلال القرآن»، الذي صدر في الستينات من القرن الماضي، أحد المفاتيح المهمة لفهم اتجاه «ولاية الفقيه»، و«الحكومة الإسلامية»، عند الإمام الخميني في تلك الحقبة، فضلا عن مفهوم «الحاكمية»، كما ترجم المرشد الحالي علي خامنئي وكان وقتها تلميذا للخميني، كتاب سيد قطب «المستقبل لهذا الدين» الذي صدر عام 1966 إلى اللغة الفارسية، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها مؤلف الكتاب، الذي أعدم في السنة ذاتها، ب«المفكر المجاهد». لعل هذا ما يفسر في الواقع التشابه بين التشكيلات الحزبية العربية الشيعية وتنظيم الإخوان المسلمين حتى قيل إن تنظيم حزب الدعوة الإسلامية في العراق الذي تشكل في 1959، هو النسخة الشيعية من تنظيم الإخوان المسلمين من حيث الشكل التنظيمي، والأهداف والمرحلية في العمل الحركي. فقه العنف نشأ أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، على «فقه العنف» عند «سيد قطب» الذي أصبحت كتاباته مرجعا لكل الجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر والعالم، مثل: «معالم في الطريق» و«في ظلال القرآن»، كما تبنى نفس الفكر كل من شكري مصطفى «أمير جماعة التكفير والهجرة، وعمر عبدالرحمن «مؤسس الجماعة الإسلامية» ومفكرها، ولعل أخطر ما حمله فكر قطب أنه اعتبر مسألة إقامة الدولة الإسلامية «الخلافة» من مسائل العقيدة، وليس من مسائل التنظيم، وهذا معناه أن المسلم الذي لا يؤمن بهذه الفكرة هو كافر وخارج عن الملة. تكريم قتلة السادات كان أيمن الظواهري الذي نشأ على فكر سيد قطب الذي كفر الحاكم والمحكوم «المجتمع»، أحد مؤسسي تنظيم الجهاد المصري، ولا يكاد يخلو مقال من مقالاته إلا ويستشهد فيه بفقرة أو أكثر مما كتبه قطب، بل إن افتتاحية جماعة الجهاد على مر السنين تتصدر ببضعة أسطر من كتاب «في ظلال القرآن»، فضلا عن قيام الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد باغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في يوم عرسه في أكتوبر عام 1981، وتكريما لقاتل السادات «خالد الإسلامبولي» أطلقت إيران الخميني اسم القاتل على أهم شوارع طهران. الخطاب المزدوج يتشابه أسلوب «التقية» لملالي إيران مع الخطاب المزدوج لجماعة الإخوان، والظهور بوجوه متعددة، وركوب أي موجة تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم، فهم ينطقون بعدة ألسن، يقدِّمون خطاباً للعالم الخارجي مداهناً متملقاً، يختلف تماما عن خطابهم في الداخل أو أمام العالم الإسلامي. ويرى الباحثون أن الأزمة الحقيقية التي يعيشها الإخوان وإيران أنهم يفكرون بعقلية القرون الوسطى في القرن الحادي والعشرين، يحلمون بالخلافة الإسلامية التي سقطت فعليا بظهور الدولة القومية الحديثة قبل أربعة قرون، وليس في عام 1924، فقد تم «الربط» بين زيارة الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي إلى «إيران»، وفكرة زعيم تنظيم القاعدة السابق «أسامة بن لادن» عن «الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود».