قد نغبط بعض الأشخاص المقبلين على الحياة والمتفائلين والمهتمين بمظاهرهم بصورة مبالغ فيها، ونعتبرهم سعداء، إلا أن الحقيقة أنه ليس كل اهتمام بالمظهر وإقبال على الحياة وتفاؤل ينم عن سعادة وعن واقع سعيد، فقد يعاني صاحب هذه الأعراض من اضطراب الهوس المعاكس في أعراضه للاكتئاب، فبدلا من الانكفاء على الذات، وعدم الإقبال على الحياة، وعدم الاهتمام بالمظهر، يظهر على المصابين بهذا النوع من الهوس إقبال شديد على الحياة وانخراط في الأنشطة الممتعة بإسراف وهوس في الشراء، وفي الاهتمام بالمظهر، وفي وصف الذات، وأحيانا يتواجد هؤلاء الأشخاص معنا دون أن نستشعر معاناتهم المرضية بسبب أعراضها التي تدل على سعادة وإقبال على الحياة. عن أعراض اضطراب الهوس النفسي يقول استشاري الطب النفسي الإكلينيكي بالرياض الدكتور وليد الزهراني "يتصف الأشخاص الذين يعانون الهوس بدرجة عالية من الحيوية والاندفاعية، فقد يبقون بحركة دائمة، ويتحدثون بصوت مرتفع وبشكل متواصل، كما أن لديهم أفكارا مبالغا فيها عن ذواتهم، واستمتاعا همجيا بالشراء، وانخراطا بلا وازع بالممارسات الشاذة وغالبا ما يتدخلون بشؤون الآخرين ويشعرون بالمرح الشديد، والسعادة الوهمية المفرطة والنشوة الزائدة، والتفاؤل المفرط، والتحمس الزائد ، ولديهم هروب وطيران في الأفكار وسطحية في التفكير، والسلاطة الفكرية، وتشتت الانتباه، وعدم القدرة على التركيز، وتوهم الغنى والقوة والأهمية والغرور الزائد. وأضاف أن هؤلاء المرضى يتسمون كذلك بسرعة الاستثارة والتهور والسلوك التخريبي أحيانا ، والإرهاق والإنهاك ونقص الوزن، واضطراب النوم بصفة عامة، حيث ينخفض عدد ساعات النوم الكلي، مع سرعة ضربات القلب وفرط العرق، والإنهاك واحمرار الوجه، واهتزاز الأطراف، واضطرابات الإخراج، واضطراب الحيض لدى النساء. وقال الدكتور الزهراني إن هذا الاضطراب يكثر في النساء عن الرجال، ويشمل معالم أولية كاختلالات مزاجية تشمل عدم الواقعية المبالغ بها والمصحوبة بالشعور بإمكانية تحقيق المستحيلات، بدءا من كسب مليون ريال يوميا، فقد تشرع مريضة الهوس التي تعلمت الخياطة للتو بعمل بلوزات لكل صديقاتها، والإثارة النفسية والحركية، فيكونون أكثر عرضة لإثارة النفس الحركية، كالنشاط الزائد بصورة مبالغ فيها ، ويكون ذلك مصحوبا بسلوك طائش أو متهور كالاتصال تلفونيا بصديقه بعد منتصف الليل، أوالاستمتاع بشراء أشياء قد لا يكون بحاجة لها، أو الشروع بتنفيذ مشروع عمل أو مشروع تجاري مقدر له الفشل قبل النجاح، إلى جانب اضطرابات اللغة أو ما يسمى بالحديث الهوسي الذي يكون عاليا، سريعا ودون توقف وغير مترابط، ويصعب تفسيره ، ويقوم المريض بإلقاء نكات بغير محلها، أو بإطلاق ضحكات صاخبة بالهواء ، كما أن مريض الهوس يعاني من اضطرابات النوم، إضافة إلى معاناته من اضطرابات معرفية والمتمثلة في نقص السيطرة على الذات. وعن أنواع الهوس وحدته بيّن الدكتور الزهراني أن من الهوس ما هو حاد ويكون أكثر شدة، ويؤدي لإقلاق الأمن، وإثارة الغضب ابتداء بالعدوان ، والهذيان الذي يتصل بالعظمة، وأهم أعراضه السلوك الصاخب، والعنف، وسرعة الأفكار، والنشاط الزائد جدا، والكلام السريع الجامح، وتكون هناك رغبة أقل في النوم، ويكون المريض مشتت الانتباه، بالإضافة إلى وجود الهلاوس والأوهام. كذلك يبدو المريض عظيم الثقة بالنفس وشديد التفاؤل. وأضاف أن الهوس الخفيف يعد أخف أشكال الهوس، ومن أعراضه المرح المتوسط، والنشاط الواضح المعتدل، وهروب الأفكار الخفيف، والتسرع، ولا يصاحبه هذيان أو هلاوس، ويستمر لعدة أيام. والنوع الثالث هو الهوس الهذياني، وأعراضه هي أعراض الهوس الحاد مضافا إليها الخلط، وعدم الترابط، واضطراب الوعي، واضطراب التوجيه (بالنسبة للمكان والزمان والأشخاص)، ويفلت من المريض زمام حديثه بحيث يصعب على الآخرين فهمه. ويرتفع نشاطه الجسمي، ويقل نومه بدرجة كبيرة يتسم بالعدوانية . وبين الدكتور الزهراني أن مريض الهوس معرض لعدد من الأخطار كالانتحار أو التسمم ، والإفلاس المادي بسبب نوبات الهوس بالإنفاق والتبذير والإنهاك الجسمي ، وإصابة الجسم بأذى وجروح نتيجة فرط النشاط والتهيج ، كما أن بعضهم يبتلع طائفة متنوعة من الأشياء الغريبه مثل المسامير ودبابيس الشعر ويكون ذلك عند محاولة الانتحار أو عند إظهار حب المرح. وفيما يتعلق بأسبابه أشار الدكتور الزهراني إلى أن الهوس يحدث إما بسبب وجود صراع بين الأفكار الداخلية غير السارة، فتكون حالة الهوس شكلا من أشكال حيل الدفاع كتعويض وكوسيلة نسيان أو بسبب الفشل والإحباط ونقص الكفاية ، ومحاولة إنكار ذلك عن طريق لعب دور النجاح والكفاية، وربما يكون بسبب وجود مشكلات يهرب منها الفرد خارج نفسه لينسى، ويبعد عن القلق كما توجد أسباب بيولوجية كمصاحبته للاكتئاب من خلال ازدياد في نشاط التفاعلات الهرمونية في منطقة محور تحت المهاد (النخامية) فوق الكلوية.