أكد رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل في كلمة له أمس بمناسبة الاحتفال بمرور عشرة أعوام على إطلاق المؤسسة، أهمية تقييم الماضي والتخطيط السليم للحاضر والمستقبل ووضع التصورات الكفيلة بتسريع حركة المؤسّسة وتفعيل أثرها في خدمة أهدافها المتعلقة بمشروع النهضة العربية. ودعا إلى تحديد الركيزة التي تنطلق منها المؤسّسة في بداية عقدها الثاني من خلال مناقشة مبحثين واختيار الأفضل منهما، الأول أن تستمر المؤسّسة على النهج القائم حالياً مع التطوير والتحديث الطبيعي لمناشطها، والثاني أن تتحوّل المؤسّسة إلى مركز للأبحاث والدراسات والعصف الذهني، تصدر عنه سنوياً أبحاث وتقارير ثقافية واقتصادية وإعلامية وتعليمية واجتماعية وغيرها، خصوصاً أن "التقرير العربي السنوي للتنمية الثقافية" ومشروع "حضارة واحدة" قد لقيا قبولاً واسعاً في الدائرة العربية، بحيث يناقش المؤتمر السنوي (فكر) هذه التقارير مع مواصلة المؤسّسة تحفيز الإبداع باستمرار تبنيها جائزتي "الإبداع العربي" و"أهم كتاب عربي" وتعظيم تواصلها مع المواطن العربي من خلال البرنامج التلفزيوني "حوار العرب". وكانت مؤسسة الفكر العربي قد اختارت أن يكون احتفالها بمرور عشر سنوات على إطلاقها من بيروت، إذ نظّمت ورشة عمل مغلقة في فندق فينيسيا ببيروت، ضمّت خمسين عضواً من أعضائها يتقدمهم مجلس أمنائها برئاسة الأمير خالد الفيصل، وهيئتها الاستشارية وأمانتها العامة. وقد أجرى أعضاء المؤسسة على مدى يومين عملية عصف ذهني لتقييم مسيرة المؤسسة في عقدها الأول. وتوزعت ورشة العمل على ثلاث جلسات رئيسة خُصّصت الأولى لمناقشة الرؤية الاستراتيجية للمؤسّسة في ضوء الأهداف السبعة التي انطلقت منها، والتي تضمنها نظامها الأساسي، كما خُصّصت الجلسة الثانية لتقويم المشاريع والمبادرات التي قامت بها المؤسّسة في الفترة الماضية وما يحتاج منها إلى تطوير. أما الجلسة الثالثة فناقشت الرؤى المستقبلية لعمل المؤسّسة وتطوير مؤتمرها السنوي "فكر" ليكون منتدى عربياً أشبه بمؤتمر دافوس. رئيس المؤسّسة الأمير خالد الفيصل استهل المناسبة بكلمة أوضح فيها أنه قبل عشر سنوات عندما كانت هذه المنارة (بيروت) تحتفل في أزهى حللها عاصمة للثقافة العربية، تشرّفتُ بدعوة كريمة لإلقاء كلمة بالمناسبة، دعوت فيها إلى قيام مؤسّسة الفكر العربي بعدما راوح المشروع في خاطري أمداً ليس بالقصير. لقد كنت كأي مواطن عربي أرى المسافة تزداد اتساعاً بين عالمنا العربي وبين العالم الذي ركب قطار العصر، وقطع أشواطاً في مجالات تطوير العلوم التقنية، في حين أن المشهد العربي بكل مقومات توحّده لا يزال جزراً شبه معزولة ومعدلات التنمية في معظمها تحتلّ ذيل القائمة، والعائق الأهم برأيي هو غياب الدور التأثيري للمفكر في مجتمعه وشيوع تصنيفه بين موالٍ للسلطة ومعادٍ لها أو منطوٍ صامت تجاه الموقف برمته. واعتبر أنه إذا ما كانت محاولات التقارب العربي لا تزال تواجه العراقيل والمفارقات في مجالات عدّة، فإن مجال الفكر هو المشترك الأكبر لهذا التقارب، بيد أن رعاية الفكر تحتاج إلى التمويل وهناك الكثير من رجال المال والأعمال العرب المدركين لمسؤوليتهم تجاه أمتهم يبحثون عن آليات يساهمون من خلالها في النهوض من كبوتها، من هنا جاءت دعوتي لاجتماع المفكرين ورجال المال والأعمال العرب في مؤسّسة أهلية توفر مظلة حرّة للتفكير والحوار، وتنظر في وسائل تطوير العمل العربي المشترك، وتعيد المفكر إلى موقعه الطليعي في المنظومة الاجتماعية. لقد استجابت نخبة كريمة من رجال المال والأعمال للدعوة فانعقد المؤتمر التأسيسي في القاهرة مطلع يونيو 2001، وشهدت بيروت في أكتوبر 2001 الاجتماع الثاني الذي ضمّ مع المؤسّسين نخبة من مشاهير الفكر العرب، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على النظام الأساسي والأهداف العامة السبعة للمؤسّسة، واعتماد القاهرة المحطة الأولى للمؤتمر السنوي بنهاية العام 2002. وأكد الأمير خالد الفيصل أنه ومنذ المؤتمر السنوي الأول في القاهرة أخذت المؤسّسة زمام المبادرة بطرق كل ما يهمّ الشأن العربي، وحرصت على ألاّ تخرج فعالياتها بتوصيات قد تشوبها حساسية الإلزام، بل بمجموعة أفكار مدروسة وجاهزة للتطبيق، وأعتقد أن تنقّل مؤتمر "فكر" وفعاليات المؤسّسة الأخرى بين البلاد العربية قد أثمر عن حزمة فوائد. لقد انطلق العمل بنظام مؤسّساتي وبالجهد الجماعي لكل أعضاء المؤسّسة فتوالت مؤتمرات المؤسّسة السنوية حول قضايا الساعة التي تهمّ العرب، كما نظّمت المؤسّسة ملتقى للتربية والتعليم العربي تحوّلت به مؤخراً إلى مشاريع تطبيقية في المجال ذاته، وأطلقت مبادرتها لنشر التعليم الرقمي في المواطن العربية الأقل دخلاً، وبعد تنظيمها لملتقى الترجمة انتقلت إلى إصدار سلسلة سنوية (حضارة واحدة) تنقل تجارب الغير الناجحة في التنمية عموماً. كما تُصدر المؤسّسة تقريراً سنوياً عن "التنمية الثقافية العربية"، وكانت قد أصدرت "حوار العرب" وهي دورية مطبوعة تعرض الأفكار على الساحة العربية بكل طيوفها. وتحدث الأمير خالد الفيصل عن القمة الثقافية العربية التي انطلقت من إحدى فعاليات هذه المؤسّسة، إضافة إلى الشراكات التي عقدتها المؤسّسة مع عدة مؤسّسات أخرى في اختصاصها، وتركيزها على حوار الحضارات وعلى تحفيز الإبداع، إذ بدأت برصد جائزة لكل من الروّاد والموهوبين العرب من خلال "جائزة الإبداع العربي" في سبعة فروع، للفائز في كل فرع 50 ألف دولار، ومنحت الشباب أولوية الفوز بالجائزة. وفي ختام كلمته توجّه الأمير خالد الفيصل بالشكر إلى أعضاء مجلس الأمناء ومجلس الإدارة والاستشاريين والأمانة العامة على جهودهم المخلصة، وسلّم دروعاً تكريمية لأعضاء مجلس الأمناء تقديراً لإسهامهم في إنجاح مسيرة المؤسّسة وتقدّمها.