هكذا هم الطيبون، عن هذه الدنيا في هدوء يرحلون، لكنهم عن قلوب محبيهم أبداً لا يغيبون، وفي سجل الإنسانية بأفعالهم ومثالياتهم باقون، وهكذا رحل التقي الطاهر النقي الأمير سعد الفيصل،يرحمه الله، وكل من اقتربوا منه وعرفوه طوال حياته محزونون مكلومون. وحين مددت يدي لسيدي الأمير خالد الفيصل بالعزاء، في شقيق دربه وأنيس عمره، حبست دمعة حرى تحجرت في عيني، إشفاقاً على الجَلَد الجهيد الذي يخفي فيه فقده الأليم عن الملأ. وما إن اتخذت مقعدي في قاعة العزاء، حتى انهال على خاطري شريط الذكريات على مدى خمسة وأربعين عاماً، شرفت فيها بالقرب من الراحل الكريم، وفي نفسي حسرة الأسى والألم على فقد هذا المثال الوضاء من البشر. لقد أجمع كل من عرف فقيدنا الغالي، على دماثة متناهية في خلقه، وحب لا يبارى لوطنه وأسرته وأعمامه، كما كان أديباً يهوى الشعر ويكتبه أحياناً، وقد سافرت برفقته إلى عدة بلدان، فكان يحسب كل خطوة يخطوها في تحفظ غير معهود احتراماً لذاته، وحفاظاً على سمعة وطنه وأهله. وكان يهوى الصيف في أبها، ويطيل النظر إلى الخضرة وجماليات الطبيعة فيها، ويحب التنزه في البراري، فإذا نزل بمكان فيه بعض أوراق أو أكياس أو قمامة، سارع إلى تنظيفها بنفسه، فيتأسى به على الفور مرافقوه. كما أجمع أصدقاؤه على أنه كان يتفقد أحوالهم على الدوام، ويمد يد العون لمن يعرف أنه في حاجة دون أن يطلبه، ويتمتع برأي صائب لمن يستشيره منهم، ولا يعاتب من لا يأخذ منهم برأيه، فإذا عاد إليه نادماً يطلب المشورة مجدداً، فيبذل له النصيحة عن طيب خاطر. وعن تواضعه لا تسل، فقد شهده الكثيرون يصلي الفجر في المسجد المجاور لمنزله دون حرس أو حاشية، والبعض من المصلين لا يعرف حقيقة شخصيته. رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء جزاء له على ما قدم في دنياه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.