أتت الضربات الأميركية ضد قاعدة الشعيرات بسورية بعد أن أبلغت أميركا روسيا عزمها القيام بذلك، إن معطيات وسياق الضربة الأميركية تذكرنا بمعركة سهل البقاع بين القوات الجوية الإسرائيلية والقوات الجوية السورية عام 1982، وكيف تعطلت أسلحة الدفاع الجوي السورية ذات الصناعة السوفيتية، والسؤال المهم هنا هو ألم تنشر روسيا مؤخرا منظومة إس 300 وإس 400 المتطورة لحماية سماء سورية من الهجمات الصاروخية والجوية؟ أين هي وقت الضربة الأميركية؟ هل هي تعطلت أيضا أم تم تحييدها من الجانب الروسي؟ على كل حال لم يكن الإبلاغ الأميركي لروسيا هو أن تستأذن منها بضرب النظام السوري، بل أتى ليؤكد أنه يستهدف القاعدة، ولا يريد استهداف القوى البشرية، بما في ذلك الأطقم العاملة في القاعدة، كما أن الضربة الأميركية أتت لتؤكد عدم صحة أن أميركا تميل للعودة للعزلة التي كانت عليها قبل الحرب العالمية الأولى، وهو أيضا تنبؤ إستراتيجي غير واقعي، ففي تلك المرحلة كانت السياسية الأميركية الخارجية تقوم على العزلة والحياد، وتجنب الأحلاف وأخلاقيات أهداف السياسة الخارجية، وهي مبادئ تضر بمصالح أميركا اليوم ضررا بالغا إذا أخذت بها، لقد أثبتت اليوم أن القوة الصلبة عادت لتكون خيارا حيويا من ضمن الخيارات الحيوية المتاحة لصانع ومتخذ القرار الأميركي، شأنها شأن القوى الناعمة والقوة الذكية. إن هذه الضربات جعلت من المشهد يبدو أكثر وضوحا، فالهجمات الكيماوية التي شنها النظام السوري ضد مدنيين عزل لم تكن اختبارا للإدارة الأميركية الحالية من جانب حلف الانعزال الدولي (روسيا والنظامان الإيراني والسوري)، بل قراءة خاطئة من الحلف حول الإعلان الأميركي السابق في أولوياته في سورية، فقد جاء في الإعلان أن الألوية لمكافحة الإرهاب وليس إزالة النظام السوري، فقرأ الحلف الإعلان بطريقة خاطئة. روسيا لن تفعل شيئا، وحديثها لن يكون أكثر من كلمات تقال لحفظ ماء الوجه، فهي لن تقدم على اختيار خيار عسكري، وتجد نفسها في مواجهة العالم أجمع، ففلاديمير بوتين ليس هتلر، فضلا عن أنها تواجه أزمة في مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، فهي لم تكن جادة وصادقة في إزالة ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيماوية. أما النظام الإيراني فهو نظام معروف بأنه ذو سلوك منحرف سياسيا ومتطرف فكريا، ويتوقع (كرد فعل منه) أن يُشعل مزيدا من الفوضى في مناطق جديدة عبر وكلائه الإرهابيين في المنطقة، من الممكن أن يكون جنوبالعراق، ومن الممكن استخدام منظومة صواريخ التنظيم الإرهابي المسمى بحزب الله لإشعال جبهة شمال إسرائيل لإدخال المنطقة في أقصى درجات الفوضى، لإظهار أن أزمة المنطقة حلها يكمن بيد طهران، أما بشار فهو مجرد من كل قوة، وغدا زعيم عصابة لا يجيد إلا فن الكذب، وانتهاك حقوق وكرامة الإنسان، وانتهاك سيادة واستقلال سورية، ولم يعد له أي موقع في المستقبل، وسيذكره التاريخ كحاكم أحمق متعطش للدماء. المطلوب اليوم هو استثمار الضربات بموقف دولي موحد يكون أكثر تماسكا وصرامة وحزما أمام حلف الانعزال الدولي الذي لا يعرف سوى أن تكون المنطقة كاملة له أو الفوضى.