تشير معظم توقعات المحللين والمراقبين للشأن السوداني إلى أن انفصال جنوب السودان أصبح "خيارا راجحا وقدرا مقضيا يستحيل دفعه"، وأن العد التنازلي قد بدأ لقيام دولة جديدة في جنوب أكبر الدول الأفريقية مساحة. ومن بين التداعيات العديدة التي ستترتب على انفصال جنوب السودان في حال حدوثه، تمثل الآثار الاقتصادية التي ستنجم عن هذا السيناريو مثار قلق كبير لكلا الطرفين في شمال وجنوب السودان. وتسعى حكومة الخرطوم لطمأنة مواطني الشمال بأن البلاد ستتمكن من امتصاص مثل تلك الآثار رغم خسائرها لأموال كبيرة من عائدات النفط المنتج في الجنوب. ويرى خبراء اقتصاديون أن الحل الأمثل لمسألة النفط هو تعاون الطرفين لخلق عملية رابحة لهما أو خسارتهما معاً، وذلك لأن 70% من آبار البترول في الجنوب بينما توجد البنيات الأساسية اللازمة لتصدير البترول وتكريره والاستفادة منه في الشمال. وأشاروا إلى أن الشمال سيظل يتمتع بقدر وافر من عائدات نفط الجنوب وأن الأخير ليس بوسعه حرمانه منها إلا إذا أوقف الجنوب استخراج النفط. وأضافوا أن العمليات المصاحبة لاستخراج النفط من نقل وتكرير وتصدير لن تتم إلا عن طريق الشمال وربما لسنوات عديدة وبالتالي فإن ذلك سيوفر له نسبة مقدرة من عائدات النفط، حيث توجد جميع المرافق النفطية في الشمال من مصافي التكرير، ومراكز المعلومات والبحوث التي يصعب الاستغناء عن خدماتها، وتمثل جميعها عوامل تحتم على الجنوب والشمال العمل معا لضمان تدفق النفط وعائداته على الطرفين. ويقول محافظ البنك المركزي صابر محمد الحسن إن السودان مستعد لمقابلة أية تطورات تتعلق بالانفصال حال حدوثه. وأضاف أن هناك تحضيرات واستعدادات تمكن البلاد من عبور المرحلة. واستدل محافظ البنك المركزي بتجربة السودان في امتصاص وتجاوز آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي أتت عن طريق الصدفة، لافتاً إلى أن آثار الانفصال لن تكون مدمرة ولن تكون أكثر من صدمة الأزمة المالية. وفي سياق متصل أكد وزير الطاقة الزبير أحمد الحسن، اكتمال الاستعدادات لاستخراج النفط من ولايات الشمال في دارفور والنيل الأبيض والبحر الأحمر، إلى جانب حقول للغاز الطبيعي في منطقتي الدندر والسوكي. وفي المحصلة تبقى منطقة أبيى الغنية بالنفط، إحدى أهم بنود اتفاقية السلام الشامل التي تم توقيعها بين شريكي الحكم المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية عام 2005 بنيفاشا الكينية. وقام بروتكول أبيى الموقع فى 22 يوليو 2004 بحل كافة قضايا المنطقة بشكل كامل وعمل على استدامة الأمن والاستقرار فيها. ورغم ذلك فإنه ينظر إلى أبيي الآن ومع اقتراب ساعة الحسم، باعتبارها قنبلة موقوتة يمكن أن تقود للحرب مجددا بين الطرفين في أي لحظة إذا انفصل الجنوب ولم يتم ترسيم الحدود. والمراقب للوضع في المنطقة يجد أن التحديات التي تواجه قيام استفتاء أبيي بالتزامن مع الجنوب تحتاج إلى مناقشات معمقة من أجل الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف.