بينما كان الموسيقار المخضرم جميل محمود ينتقد أخيرا عدم توثيق تاريخ الفن السعودي، معتبرا أن مكةالمكرمة أهدت العالم مقام الحجاز، وأن الغرب أخذ الآلات الشرقية واستفاد منها، أكد مثقفون صحة ما ذهب إليه «جميل»، وأن تاريخا كبيرا من سيرة الفن في المملكة لم يدون ويوثق كما يجب، مثل ظاهرة الفنانين الذين أنتجوا فنهم الخاص جدا، ومن أبرزهم طاهر كتلوج (رحمه الله). تجاوز النخب الممارسة الثقافية، أو ما يعرف في العالم ب«الدراسات الثقافية»، ليست لها تطبيقات عملية في المملكة. هكذا يبدأ الكاتب «المدون» فراس عطية، طرح رؤيته في هذا السياق، قبل أن يضيف«خذ - مثلا - لو أن أزقة مكة وحواريها غنت لخرج صوتها شجيا عذبا ممزوجا بشيء من الخشونة والوعورة. لو غنت مكة لكان صوتها طاهر الكتلوج. ولو أن الشخصية المكاوية بخصائصها المتفردة تجسدت في إنسان لكان طاهر الكتلوج. البساطة والطيبة، سرعة البديهة والمفردة المتعددة المعنى، تواضع النفس، حلاوة الروح وانفتاح العقل، مزج الكتلوج هذه الخصائص كلها في كسراته ومواويله منتجا فنا هو ديوان حي لمشاعر الناس. إذا كان مصطلح «أغان ممنوعة» عرفته عديد البلدان العربية في تاريخها الفني، كمنتج لفنانين يتشكلون على الهامش، فإن طاهر كتلوج يكاد يكون أحد أهم وأبرز هذه النوعية من الفنانين، الذين حوربوا ثقافيا حسب رؤية عطية أحد صناع فيلم «مزمرجي» الذي حاول توثيق لعبة المزمار. ويضيف عطية: سحبت أشرطته من السوق ناهيك عن التجاهل النخبوي والتعالي على فنه وإنتاجه تحت ذريعة الحفاظ على الفن الأصيل والترفع عن عبث العابثين. إلا أن فنه تجاوز النخب وتجاهلها ووصل إلى الناس واستمر تداوله عبر الأجيال، فما تزال كلمات كسراته تردد بين الناس وفضاء الإنترنت الرحب يعج بفيديوهات وتسجيلات لألحانه تبلغ أعداد من شاهدوها مئات الآلاف، بحسب إحصاءات المواقع الإلكترونية.
سرقة أعماله كتلوج ما هو إلا أنموذج لفنانين جايلوه، ومنهم عيسى الأحسائي في منطقة الأحساء، والأقل توهجا منه -حسب تعبير الكاتب الفنان المسرحي عبدالعزيز السماعيل - طاهر الأحسائي، وكلهم فنانون عبروا عن «طبقات المجتمع»، إن جاز التعبير، وتجاهلهم الإعلام الرسمي، لكنهم تركوا أثرا ربما يعاد اكتشافه، على نحو ما جرى مع كتلوج قبل أربعة أعوام، حين كتب الزميل عبدالرحمن الناصر عن «السطو المباشر أو غير المباشر» على ما قدمه السابقون من الفنانين من أعمال كونت إرثا جميلا يتغنى به البعض وأصبح تراثا جميلا يحفظ للدولة، تتناقله الأجيال، وهو ما يحصل للمغني الشعبي طاهر كتلوج الذي عرف في كل مكان في الجزيرة العربية فترة الستينات الميلادية، بطقطوقة «هما ثلاثة وحنا اثنين» والتي تعتبر إرثا لحارات مكة وأزقتها. هذه الطقطوقة أو كما نسميها «كسرات» سُرقت فعليا في مقدمة مسلسل «أبو الملايين». وهنا يقول فراس عطية: لو أن طاهر كتلوج وجد في بيئة تحتفي بالفن بكل أنواعه واتجاهاته لكانت له مكانة لا يرقى لها الشك. لكن الأوساط الثقافية جبلت على ممارسة الإقصاء بحق الفنون التي تعبر عما يجول في دواخل الناس ودائما تحت ذرائع واهية. والمفارقة أن الذين يحاربون الكتلوج، علانية بسبب «عبثيته» وتمرده على السائد يستمعون لأشرطته خلسة ويحفظون كسراته وكلمات أغنياته. هذا التناقض هو انعكاس للازدواجية الاجتماعية لدينا والتي تجعلنا ننظر لشخصيتنا الجمعية سطحيا دون التغلغل إلى الأعماق فنحارب من يتحدث عن المسكوت عنه فيها ويعريها مستنطقا عيوبها دون مواربة كالكتلوج. كما أن مفهوم الفن لدينا مشوه، ما يؤدي لاختلال القدرة على استيعاب الفنون المختلفة في سياقاتها الطبيعية. «و سلام يا صاحب الشنيور.. ياللي بمكة تمشابه.. يا ليت قلبي فيوز النور.. ولا علامة على بابه».
اسمه الحقيقي: طاهر يعقوب أحمد هوساوي ولد بمكةالمكرمة وتوفي بها (1358 - 1402) متعلم، وليس له أبناء توفي بعد زواجه بأشهر
عمل مع والده في مهنة البناء، ثم سائقا بعدة شركات، قبل استقراره سائقا بالهلال الأحمر السعودي
قبل دخوله المجال الفني كان حارس مرمى بفريق العلمين في مكة كان يحيي معظم حفلات الزواج في مكة والمدن والقرى المجاورة لها