تروي جوخة الحارثي في عملها رواية "سيدات القمر" قصة مجتمع وما طرأ عليه من تغيرات تاريخية واجتماعية وذلك من خلال قصص ممتعة مؤثرة ترسم في مجموعها صورة التطور الذي طرأ على الناس وأنماط حياتهم. وتكتب الحارثي هنا بعمق وسهولة نفاذة وغوص في النفوس وبسرد مقنع وبجمال لا يتخلى عن أجواء شعرية ترفد عملية القص وتجملها ولا تجرها إلى عالمها ليتحول الأمر إلى شعر فحسب. وقد يجد القارئ نفسه خلال الرواية إزاء عمل يعتمد في أسلوبه ذلك التراكم الذي شبهه نقاد بالبصلة وطبقاتها التي تتراكم واحدة فوق أخرى ليشكل مجموعها البصلة ككل. وبكلمة أخرى فنمو رواية الحارثي يميل إلى أن يكون أشبه بتراكم يبدو أقرب إلى أن يكون عموديا أي يرتكز على طبقات لتعود حركة الرواية وتنتقل وإن ببطء ملحوظ إلى الأمام. لكن المراوحة طاغية على العمل لأن الكاتبة تركز على إقامة صرح روائي تبنيه طبقة طبقة.. وحركات السير إلى الأمام زمنا وفعلا تتداخل وتترافد لترسم من خلال صور محددة الصورة الكبرى. والصورة المذكورة يعبر عنها إجمالا ما جاء في كلمة "دار الآداب" البيروتية التي نشرت الرواية المؤلفة من 224 صفحة متوسطة القطع. وجاء في الكلمة التي حملتها دفة الغلاف أن العمل هو "رواية من سلطنة عمان تتناول تحولات الماضي والحاضر وتجمع بلغة رشيقة بين مآسي بشر لا ينقصهم شيء ومآسي آخرين ينقصهم كل شيء." وجوخة الحارثي كاتبة وأكاديمية من سلطنة عمان صدرت لها مجموعات قصصية منها "مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل" و"صبي على السطح" و"في مديح الحب" كما صدرت لها رواية هي "منامات". رسمت الكاتبة مجتمعا كبيرا من خلال رسم عالم أصغر منه هو قرية العوافي والانطلاق منه أحيانا إلى مدن وبلدات أكبر أو أثر التطور الذي طرأ إلى مدن غربية كبرى.. دخول العلم ومظاهر المدنية الحديثة وتغير أنماط الحياة. العادات والتقاليد القديمة والعلاقات الشرعي منها والمحرم والخرافات والأساطير والعبيد والإماء وتجارة الرقيق وآثارها الإنسانية في نسيج هذا المجتمع. ولعل هذا العمل يتسم بمزية نادرة.. فالكاتبة تكتب التاريخ "أدبيا" أحيانا أو فلنقل إنها في روايتها تنقلنا عبر العمل الفني الناجح إلى التطورات التاريخية أو السياسية دون أن تخرج عن السرد الفني أو تقع في برودة النص التاريخي أو تقريريته. ويبرز في الرواية ولع بالأدب ونزوع إلى الفكري والفلسفي وإلى الصوفي. وهي في أحيان عديدة تبدو كمن يكتب قصصا قصيرة مشوقة يمكن إذا قرئت وحدها أن تعتبر قصصا كاملة مستقلة تروي بفنية واختصار.