أتفهم سبب التعصب للولاية من الذكور في بلدي، أتفهم أن شابا مستهترا عاطلا قد يشتم ويصف المرأة بأقبح الصفات حين ترفض أن يكون مثله وصيا عليها. أتفهم أن الولاية تعطي امتيازا للذكور مع أن كثيرا منهم لا يؤتمن حتى على نفسه! أتفهم خوفهم أن يختفي هذا الامتياز، ولا يستطيع أحدهم أن يستغل راتب أخته. أتفهم أن الولاية تخدم الذكر وترهق الرجل الحقيقي كونه يشعر بالإحراج أن يكون وليا على أخته العاقلة أو والدته! أتفهم أن الولاية جعلت الذكر العاطل لا يخجل من فشله ويخجل من أخته التي تصرف عليه وتسدد عنه مخالفاته! أتفهم أن الولاية مطلقة لذلك قد تكون لوالد متعاط للمخدرات أو مريض بالبيدوفيليا أو حتى عنصري تجاه الأنثى! كل ما ذكرته سابقا أفهمه جيدا وأستطيع التعامل معه، لكن ما لا أتفهمه ولا أستطيع استيعابه هو... أنثى ترفض أن تكسر القيد في يديها، ترفض أن تنطلق لتحديد اختياراتها بنفسها، ترفض أن تكون حرة، والأسوأ أنها تحارب النساء الأبيات! نعم هناك امرأة تعيش وفق اختياراتها ولا تشعر بأن هناك ما يسمى "ولي" ثم تتشدق بأن الولاية من الدين، وأن المطالبات بإسقاطها ما هن إلا خارجات عن الدين! وهناك امرأة تعمل محاسبة بدوام كامل تسدد إيجار منزل متهالك وترعى والدها المقعد، وأخوها المدمن يستنزف راتبها، وقد يعتدي عليها، وتلجأ للصمت خوفا من الاتهامات المعلبة التي يستخدمها الذكور في كل مرة تطالب فيها إحدى النساء بحقها!! وهناك امرأة تهان من والدها بلا سبب إلا لكونها عارا يريد التخلص منها، وتزويجها! ثم يرفض أن تتزوج من خارج القبيلة لكن لم يتقدم لها أحد من القبيلة، فيسقط عليها هذا البؤس وكأنها المسؤولة عن قدرها!! وهناك امرأة تعيش بكرامة. الرجال من حولها يجعلون من القوانين بردا وسلاما، لكنها لا تنام الليل.. تفكر في كل النساء المظلومات ولا تعرف كيف تساعدهن! وكأنها تقول للنساء: يا امرأة في أقاصي الدنيا أنت أنا.. وجعنا أزلي لن تفلت يداك يدي أي دمعة من عين أنثى في كل الأرض تحرق وجنتي حين دخلت المرأة مجلس الشورى في عهد حبيبنا الملك عبدالله -رحمة الله عليه- كان هذا حدثا من نوعه لم يلزمه أن ننتظر تقبُّل المجتمع أو رفضه، كان قبول وجود أنثى في مجلس الشورى -الذي كان للرجال فقط- أمر مفروغ منه بغض النظر عن الأحاديث الجانبية بخصوص الحاجز وما إلى ذلك، لكن كيف تريدون مني كامرأة من هذا البلد وكسعودية أتطلع لعضوات الشورى للحديث عن الإشكالات التي تعترض طريق المرأة، وعن طموحاتها وآمالها؟ أقول كيف تريدون مني أن أصدق أن عضوة الشورى الموقرة لها صوت مسموع بينما هي مكبلة بولي أمر، ولم يشفع لها كونها عضوة في مجلس تمثل صوت النساء في بلدي؟! وهل هذا معقول، خاصة وبلادنا في تقدم ملحوظ من ناحية حقوق المرأة، وكيف تنال امرأة حقوقها وهي لا تملك حق التصرف في نفسها دون إذن ذكر! أليس من الممكن أن تعطيني الدولة حقي ثم يسلبني إياه الذكر!! أليس نظام الولاية يقول لنا صراحة إن الرجال -كل الرجال- عقلاء صالحون وإن النساء -كل النساء- ناقصات وغير صالحات! أنا لست متشائمة. أعرف أن التغيير قادم لا محالة، وأن الأحوال سوف تتبدل وتتحسن، المرأة في بلدي قوية بما يكفي كي ترفع اسم السعودية عاليا. فقط سوف ننتظر، ونأمل ألا تعيش بناتنا التجربة.