لم تكن المحاضرة، التي قدمها مندوب المملكة الدائم لدى منظمة "اليونيسكو" الدكتور زياد الدريس مساء أول من أمس في أدبي جدة تحت عنوان "في اليونيسكو: تنتهي الحروب أم تبتدئ؟"، وأدارها الدكتور عبدالرحمن السلمي، مجرد لقاء ثقافي عابر، بل يمكن وصفها بأنها كانت إحدى الأوراق الكاشفة لبعض ما دار في "اليونيسكو" أثناء ترشيح الراحل الدكتور غازي القصيبي، وصراعات متنفذي المنظمة التي انتهت باستبعاد ترشيحه أميناً عاماً لها، بل ومحاولة إقصاء أي مرشح عربي. وأجمل الدريس في ورقته العديد من ملامح العمل في "اليونيسكو" وكيف يتم تشكيل "لوبيات الضغط" ومن أهمها ضغط اللوبي الغربي على عدم ترشيح الدكتور غازي القصيبي لرئاسة اليونيسكو في 1999، وتصعيد المرشح الياباني في حينه كويتشيرو ماتسورا. التمويل الضعيف خصص المحاضر جانباً من حديثه عن تحركات منظمة "اليونيسكو" الآن تجاه قضايا السلام في العالم ومواجهة مسببات الحروب، مشيراً إلى أنها تعيش "وضعاً سيئاً لعدم كفاية التمويل الحالي، مختتماً حديثه بسؤال مركزي، وهو: هل يستطيع المرشح العربي المنتظر إن فاز برئاسة اليونيسكو في عام 2017 أن ينقذها من هذا الوضع"؟ لا تفاهمات عربية حفلت المحاضرة بعدة إشارات حول آلية العمل الثقافي في تلك المنظمة الدولية، تتمثل في عدم تطوير تفاهمات المجموعة العربية إلى مجموعة ضاغطة مثل اللوبيات الغربية. ومما ذهب إليه الدريس في ثنايا حديثه بالمحاضرة أن الرؤية الفلسفية الغربية داخل كيان منظمة "اليونيسكو"، أن رئاستها يجب أن لا يحظى بها أي مرشح عربي، كون هذا العالم مليء بالحروب والانقسامات، ولم يقدم شيئاً يذكر للثقافة والمعرفة، معتبراً ذلك سقطة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وللدلالة على حديث الدريس، يمكن تقاطع ذلك، مع ترشيح وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني في عهد الرئيس حسني مبارك للمنصب عام 2009، خلفاً للياباني كويتشيرو ماتسورا، لكنه خسر المنافسة أمام المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا التي حصلت على 31 صوتا مقابل 27 صوتا لحسني. المدافع الشرس أفرد الدريس في المحاضرة مجالاً مطولاً في الحديث عن القصيبي، الذي كان الركيزة الأساسية في محاضرة الدريس، واصفاُ الراحل، بأنه منافح إيجابي وفعال في ضرورة التواجد القوي في المنظمات الدولية، ومن بينها "اليونيسكو"، وأنه كان مدافعاً شرساً عن الأمة العربية والوجود العربي فيها. وأشار الدريس إلى "المعركة الشرسة " التي خاضها القصيبي من أجل منصب مدير عام منظمة اليونسكو العالمية، إلا أنه أشار في المقابل إلى أن القصيبي كان أول من هنأ الفائز بعد تسلمه المنصب الجديد.