لحظات مختلفة في تاريخ الحياة، ودموع فرح، وإحساس بالأمان، تباين معه التعبير عن الشعور الجياش الذي ملأ أفئدة وصدور أناس عانوا مما عانوا طوال سنين مضت، حلموا فيها بمنزل يؤويهم، ودار تجمع شتاتهم، وسقف يهنون بالنوم تحته، ينتمون له وينتمي لهم. إنه الحلم الذي تحقق بامتلاك بيت العمر، بعد أعوام طوال من التمني الذي قتله الفقر وحققه لهم على أرض الواقع برنامج الإسكان الميسر في المنطقة الشرقية، من خلال مشاريع الأمير محمد بن فهد للمساكن الميسرة. حالات إنسانية خالط قلوبها الدعاء للقائمين على ذلك البرنامج، وعانق نفوسها الارتياح، وأغرقت عيونها دموع الفرح، وغيرت ملامحها السعادة، سعادة بحياة جديدة تخلص أصحابها من هم طويل يسمى "السكن بالإيجار"، يتفاوت حجم المعاناة فيه من أسرة لأخرى حسب الدخل والقدرة المادية ارتقاء مستوى مشاريع المساكن الميسرة، وبشهادات أكاديمية وعالمية، ما هي إلا نموذج ومفهوم جديد للإسكان الميسر، وفرض أفكار جديدة لاحتواء المحتاجين بطريقة ترتقي بهم إلى مستوى قد يكون أعلى من فئة العيش المتوسطة. هكذا كان رأي عدد من أعضاء الوفود المختلفة، الذين قاموا بزيارات ميدانية لأحد مشاريع الأمير محمد بن فهد للمساكن الميسرة في المنطقة الشرقية، والتي بدأت بزيارة القيادات العليا في هذا الوطن، ومرت بالسفراء والخبراء، حتى أصبح أخيراً، ذلك المشروع القائم في حي الفيصلية "غرب الدمام"، أحد الأمثلة الحية التي تدرس لطلاب كلية العمارة والتخطيط في جامعة الدمام. نعمة تكييف "هذا أول صيف أنعم فيه مع أبنائي وزوجتي ببرودة التكييف".. هذه كانت الكلمات الأولى فيما قاله ل"الوطن" علي سيف الضويحي "في العقد الخامس من العمر"، والذي صرفت له ولعائلته شقة سكنية في المشروع، والذي أضاف "لقد عانيت كثيرا منذ أن "تقاعدت" من عملي العسكري مبكراً، ولكن الحمد لله على كل حال، فأنا أتقاضى أجراً تقاعدياً لا يتجاوز 1800 ريال فقط، وذلك المبلغ لا يكفي لمعيشتي وعائلتي، وبالكاد يكفي لسد إيجار المنزل الذي يؤوينا". اطمئنان مريض ولم يكن الضويحي هو الأول بل شاركه الرأي عبده هزازي الذي بدا سعيداً عند زيارة "الوطن" له في منزله، وما إن يتحدث حتى يحمد الله، فبعد أن أعاقته صحته عن استمراره في العمل، لإصابته بمرض "فيروس الكبد الوبائي"، ومنعه راتبه التقاعدي البالغ "1800 ريال" من توفير مستوى معيشة جيد لعائلته، بدا مطمئنا على نفسه وعلى عائلته بعد حصوله على سكنه الجديد. فرحة أرملة وفي حالة أخرى عاشتها أم سلطان وهي امرأة وحيدة مع أبنائها كما فرضت عليها حياتها أن تعيش بلا شريك للعمر والحياة والمعاناة، سخرت الأرملة أم سلطان عمرها وصحتها لخدمة أبنائها الأطفال، وبعبرة خالطها الألم تقول: "أعيش بين الخوف ومطاردة الدائنين، أفتقد الأمان ليلا أنا وأبنائي، وما أن يأتي صباح يوم جديد حتى أبدأ في الكد والسعي وراء لقمة العيش".. أم سلطان لم تكن من خريجات الجامعات بل من ذوات التعليم المحدود، والتي إن بحثت لن تجد سوى مبالغ قليلة قد تكفيها لعشائها أو إفطار اليوم التالي، وتضيف أم سلطان "جاءني نبأ ترشيحي للسكن في إحدى شقق المشروع، ولم أصدق ذلك، كان كالحلم الذي تحقق، ولله الحمد، فأنا أعيش الآن في المسكن الجديد أنا وأبنائي". خدمات إضافية ولم تكن تلك العائلات الثلاث التي زارتها "الوطن"، سوى نموذجاً لعدد أكثر من 140 عائلة تسكن الآن في المشروع، في متابعة متكاملة من إدارته بشكل متواصل، وحراسات أمنية على مدى 24 ساعة، وتشمل تلك المتابعة تقديم خدمات الصيانة لأعمال الكهرباء والسباكة أيضا. أبعاد جديدة عند الوصول لمبنى المشروع الكبير يلاحظ الزائر أنه شيد على هيئة قصر، تتقدمه مئذنة مسجده الذي بدا وكأنه جزء من هذا القصر، وقد أضاف هذا المشروع أبعاداً جديدة لمضمون العمل الاجتماعي، والذي تنص قواعده على أن سكن المحتاجين يجب أن يكون بين الناس وليس بمعزل عنهم، موفراً لهم أرقى السبل المعيشية، التي تجعل من سواهم يتمنون السكن في ذلك الموقع الذي يجتمعون مع سكانه في المسجد الكبير بالمشروع. دور فاعل ويقول المشرف على المشاريع وأمين جمعية البر الخيرية في المنطقة الشرقية الدكتور عبدالله بن حسين القاضي، إن "المشروع بدأ كحاجة ملحة في عام 1419ه، إلا أن هذا المشروع ما كان له أن يرى النور بسبب تراكم العراقيل من حوله، والتي قللت نسب نجاحه بشكل مطلق، وإن أمير المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، عندما اطلع على المشروع، كان سبباً في تحويله إلى واقع، حيث ساهم وبشكل كبير في تذليل كل الصعاب التي تشكلت أمامه". أهداف نبيلة ولم يأت المشروع إلا لأهداف نبيلة حددت الخطوط العريضة للمشروع يقول عنها القاضي، إنها جاءت لتجسيد مفهوم الصدقة الجارية بتوفير مشروع مؤسسي قادر على تقديم منفعة دائمة ومتواصلة وتلبية حاجة من أكثر حاجات الفقراء ضرورة وأهمية، وإنشاء مجمعات سكنية في أنحاء المنطقة الشرقية ومحافظاتها لإيواء المحتاجين ومساعدتهم على تنمية أنفسهم، وإتاحة الفرصة لأفراد الأسر المحتاجة للاستفادة من برامج تنموية مخطط لها، تهدف إلى تأهيلهم مهنياً وتحويلهم من محتاجين إلى منتجين، ومساعدة المقيمين في هذه المشاريع على التخلص من بعض العادات والسلوكيات السلبية من خلال الالتزام بشروط الإقامة في المجمعات السكنية والمشاركة في البرامج التربوية والاجتماعية والثقافية المقدمة لساكنيها، والمساهمة في الجهود التي تبذلها الدولة في مكافحة الفقر والبطالة، والمشاركة في التنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية للوطن والمواطن. قول وفعل وما أجمل من أن يتبع القول والفكرة، فعلا وتنفيذا، في الكثير من الأمور، في إشارة من القاضي إلى ما تحقق في هذا المشروع، يقول فيها "ساند أمير الشرقية المشروع، ولم يكتف بذلك، بل قام بشراء الأرض للمرحلة الأولى التي اختيرت من قبل اللجنة المشكلة، والتي بلغت مساحتها نحو 40 ألف متر مربع، وأهداها للمشروع، حيث تقدر حالياً قيمتها السوقية بنحو 20 مليون ريال، وكانت تلك كعربون صادق على كلمة أمير الشرقية في دعم المشروع، ومن ذلك اليوم حتى يومنا قام أمير الشرقية بمتابعة المشروع بكل تفاصيله وحث من حوله لدعمه حيث بلغت تكلفة المشروع في هذه المرحلة أكثر من 40 مليون ريال، لعدد 148 وحدة سكنية، موزعة على نموذجين الأول يتكون من 114 وحدة مساحة الواحدة 212 مترا مربعا، تتألف من 5 غرف ومطبخ وثلاث دورات مياه، أما النموذج الثاني فيبلغ عدده 34 وحدة سكنية من نفس مكونات النموذج الأول ولكن بمساحة أكبر تصل إلى 302 متر مربع". ترف وجودة ويضيف الدكتور القاضي أن أمير الشرقية لم يتنازل عند تشييد المشروع، عن أدق تفاصيل الترف ونوعية الأثاث أو الأجهزة الكهربائية المستخدمة في شقق المشروع، والذي كان يركز فيه على الجودة العالية للمنتج، كما طالب بتوفير مجلس للحي للرجال والنساء بكل احتياجاتها المستقلة، ومركز تدريب وتطوير للعائلات لتطوير مهارتهم الحياتية وتعليمهم كيفية الحفاظ على ممتلكاتهم وسلوكيات أخرى تسمح برقيهم لمستويات عليا، ولم تغفل المشاريع بناء مستوصف، وحضانة للأطفال، ومحلات تجارية بها مركز تسويق لسكان المشروع، ومساحات خضراء، ومحطة لتحلية المياه، وأخرى لمعالجة مياه الصرف الصحي، ومقر لإدارة الحي ومتابعة شؤونه ومركز لصيانة المنازل وممتلكاتها يتم التواصل معه هاتفياً لخدمة الحي. مشاركة فرحة وفي نقطة أخرى ذات أهمية وقف عندها القاضي تناول فيها كلمة الأمير محمد بن فهد في كلمة له في افتتاح المشروع بالدمام عندما قال: "الآن نشارك من استحقوا الوحدات السكنية فرحتهم" متمنيا التوفيق من الله في متابعة المراحل المتبقية من المشروع والتي بدأت تتابع في عدد من المحافظات في المنطقة الشرقية إلى أن وصلت إلى منطقة جازان. سكن وتوظيف مدير المشاريع بالدمام محمد اليابس، أكد ل"الوطن" التي صاحبها في جولة داخل الحي، أن الكثير من الطلبات كانت تفد إلى الجهة المسؤولة عن المشروع للحصول على سكن في هذا المشروع الفخم نسبياً، وقال: "إن توجيهات أمير الشرقية لم تكتف بإسكان تلك العائلات، فنحن نحرص على تجويد معيشتهم، بالتدريب والتوظيف لأبنائهم إن أمكن في نفس المشروع، حسب الوظائف المتاحة، ومنها حراس الأمن بمبلغ 2000 ريال، فهو يعمل ويسكن ويتدرب في نفس الحي"، وأثناء التجوال داخل الحي حضرت "الوطن" طرح أحد العروض الوظيفية لأحد أرباب الأسر في المشاريع. زيارات وإعجاب الدكتور القاضي تحدث ببساطة عن الزيارات التي حظي بها المشروع، منذ تدشينه، والتي شملت زيارات قيادية في المملكة وعلى رأسها ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبد العزيز، وعدد من المسؤولين والسفراء، ويذكر أن زيارة السفارة الأمريكية التي قامت بعمل تواصل مع أكاديميين أمريكيين، لدراسة نجاح تجربة المشاريع في فرض سكن بهذه الرفاهية الجيدة وبتكاليف منخفضة نسبياً، نال فيها إعجاب كل من زاروه دون استثناء. مشاريع مماثلة إن مشروع الدمام لم يكن سوى النواة الأولى لعدد من المشاريع الجديدة، إذ تم التخطيط لمراحل أخرى لمشاريع في كل من هجرة وسيع التابعة لمحافظة الأحساء في مشروع جاء على شكل فلل صغيرة، بالإضافة إلى الانتهاء من تصميم مراحل أخرى في كل من محافظات حفر الباطن والنعيرية وقرية العليا، وأخيراً مراحل المشروع في منطقة جازان.