نوران جدع لقد اعتدنا أن نرى الأمور ونحكم عليها ونستشعرها من خلال علمنا بها فقط وليس وعينا! ولكن هل هناك فرق؟ وما هو؟ وماذا نعني بالعلم والوعي أصلا؟ وهل هناك تأثير لهذين المفهومين على فهمنا وإدراكنا وتعاملنا مع الأمور؟ هناك فرق شاسع بين العلم والوعي كما بين السماء والأرض، فكلّنا مثلاُ يعلم أن الله تعالى يرانا ويرصد حركاتنا وسكناتنا وأنه مطّلع علينا في كل لحظة، ولكنّنا نتعامل مع هذه الحقيقة كمعلومة ومعرفة مسلّم بها فقط.. فلا نتذكرها ولا نستشعرها ولا نعيشها في كل لحظة من لحظات حياتنا! ولذا نجد أن حياتنا وسلوكنا وتصرفاتنا تأتي وكأنها مخالفة تماما أو مغيّبة أو غير مدركة لهذه الحقيقة! فنرتكب المعاصي ونتجرّأ على الله بالقول والفعل وكأننا ننسى هذه المراقبة اللحظية! أما الوعي فهو أن تدرك وتستشعر فعلا مراقبة الله لك، وكمثال للتوضيح يمكنك وضع كاميرا في منزلك لتقوم بتصويرك 24 ساعة مثلا خلال اليوم.. اجعلها تصوّر كل أحداث يومك وكل ما تقوم به من حركات وسكنات ولفتات، وفي نهاية اليوم أجلس مع نفسك وقم بمشاهدة هذا الفيلم ليومك كاملا.. سوف تفاجأ بما ستراه، وكيف أنك كنت خلال اليوم غير مراقب وغير مستشعر لوجود الله تعالى معك في كل لحظة.. عندها فقط سيقفز معدّل وعيك أضعافا مضاعفة وستدرك وتعي حقيقة مراقبة الله لك فعلا. العلم هو النظر السطحي للأشياء والأمور، أما الوعي فهو دائما يمثّل عمق النظر والتفهم للأشياء. العلم هو أن تصلك معلومة وترددها أنت بلسانك فقط.. أما الوعي فهو أن تتشرب هذه المعلومة وتستوعبها بكل كيانك وتطبقها في حياتك ولسان حالك يذكرها في كل حين. الوعي يزيد من معدل إدراكنا وفهمنا للحقائق والأمور، بينما العلم لا يتعدى كونه معلومة سطحية تدخل إلى العقل فقط. وأورد هنا مثالا آخر يمكننا أن ندرك من خلاله الفرق بين العلم والوعي.. هو مثال بسيط جدا ولكنه عميق وربما مارسناه جميعا مع أطفالنا.. فكم مرة أخبرت طفلك وحذرته من الاقتراب من كوب الشاي الساخن.. بلا فائدة أو استجابة منه، وكلما أخبرته بأن هذا الكوب ساخن وسيحرق أصابعك.. وسيؤلمك.. زاد فضوله وزادت رغبته للاكتشاف وإعادة لمس الكوب في كل مرة.. هذا يعبّر عن العلم. أما الوعي فهو ببساطة أن تأخذ إصبع طفلك وتقربه من هذا الكوب الساخن لكي يلمس ويستشعر الحرارة والألم بنفسه.. هنا أصبح لدى الطفل وعي وليس مجرد علم.. ولن يقترب مجددا من أي كوب ساخن بعد الآن. يمكننا تطبيق المثالين السابقين على جميع نواحي حياتنا، ولنجعل إدراكنا للأمور ليس فقط سطحيا وإنما إدراك وعي واستشعار وفهم عميق.. فالذي ينظر للأمور بالعلم فقط فكأنما ينظر بسطحية للشيء، بينما الذي ينظر بطريقة أفقية أو (من أعلى) فهو الذي يمتلك الوعي. المعلومات اليوم كثيرة ومنتشرة في كل مكان، وعدد الذين يمتلكون العلم كثر جدا، بينما الذين يمتلكون الوعي هم قلة جدا جدا. لنجتهد بأن نرفع من معدل الوعي، فبالوعي تنهض الأمم وتتطور المجتمعات وليس بالعلم!