منذ أن تم الإعلان عن خطة رؤية 2030 بُعثت لدينا روح الأمل من جديد نحو مستقبل مشرق وواعد لنا وللأجيال القادمة، والذي يجب أن ندركه الآن أن الأمر ما زال في بدايته ويتطلب إضافة للتخطيط والإعداد الجيد مزيدا ومزيدا من العمل حتى يمسي واقعا ملموسا، ليس من جانب القيادة وحدها بل من كافة شرائح المجتمع، كما وضح ذلك ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلته في قناة العربية. المضي قدماً نحو تحقيق رؤية 2030 لن يمر عبر التحديات الاقتصادية فقط، بل وتحديات اجتماعية نحن بأمس الحاجة للإشارة إليها حتى لا تتحول إلى عوائق في المستقبل. واقع بعض أفراد المجتمع السعودي اليوم يرزح تحت تاريخ طويل من "الممارسات العبثية" التي تجاوزت قدرة كل الضوابط والأنظمة على كبح جماحها وبالتالي عرقلة مسيرة التنمية لسنوات عديدة. هذه الممارسات العبثية في الاقتصاد الفردي والأسري أدت إلى فوضى استهلاكية للموارد الشحيحة بما يزيد عن حاجة كل فرد أكثر من ثلاثة أضعاف، فنحن نهدر ثلث ما يتم استيراده من الطعام ( 50 مليار ريال) بما فيها 700 ألف طن من الأرز سنويا! والفرد السعودي يستهلك من الطاقة ما يزيد بنسبة 45% عن معدل الاستهلاك العالمي للفرد. كما ينفق أفراد مجتمعنا أكثر من 30% من مدخولهم في الكماليات. هذه الممارسات العبثية في الثقافة والفكر أدت لخلق أزمات اجتماعية وأمنية، بل واقتصادية بسبب انغلاق أتباعها على أنفسهم وسيطرتهم على المجتمع باسم الدين، وحجرهم على آراء الآخرين وتكبيلهم للمجتمع بآراء وجدالات فقهية متشددة تخالف إجماع المسلمين في شتى بقاع الأرض، بل وجعلوا المجتمع في عزلة طويلة شذت به عن الركب، فذابت حبال قيودهم مع تقدم الزمن، واكتشفنا كمجتمع أننا متأخرون في قضايانا الفكرية والثقافية والاجتماعية، وعاجزون عن التواصل فيما بيننا فضلا عن التواصل مع الآخرين. في 2030 سيكون هناك مزيج ثقافي واجتماعي نحن بأمس الحاجة إليه لخلق بنية فكرية تواكب العصر الذي نعيش فيه ويتناغم مع المحركات التنموية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية. العبث الأخلاقي والسلوكي الملاحظ اليوم في الشارع وفي قنوات التواصل الاجتماعي والهوس بمخالفة الأنظمة والقوانين والتعدي على حقوق الآخرين وغياب مفهوم "احترام حقوق الآخرين" بغض النظر عن جنسهم وأعراقهم ودياناتهم تقيد روح التطور والتفاعل والتكامل في المجتمع السعودي وتنأى به بعيدا عن سلوكيات المجتمع المتحضر وفق المعايير العالمية. عشوائية كثير من القطاعات الحكومية وبيروقراطيتها المتحجرة ساهمتا في تأخر التطور العمراني (بنى تحتية، تنظيم عمراني) والخدمي مما أدى إلى عدم مواكبة التقدم بصورة أو بأخرى. ختاما، زيادة الوعي بكل القضايا المذكورة وإيجاد حلول لها ليس بالأمر المستحيل، وإنما بحاجة إلى إخلاص وعمل من الجميع لإنجازه وفق رؤية القيادة الحكيمة للمملكة في 2030.