على عكس ما حاولت إدارة الرئيس الأميركي أوباما الترويج له، كشفت دراسات حديثة أن توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى لم يدفع إيران لتغيير سياساتها الخاطئة، بل فاقم المشكلة إلى مزيد من العدوانية والنزعة التوسعية، والتدخل في شؤون دول الجوار. وقال المستشار الرئاسي السابق، فيليب جوردون: «أدركنا أن مدة 15 عاما ضئيلة جدا لتغيير سلوك إيران العدائي نحو جيرانها». إيران لم تغير سلوكها العدائي، عقب توقيع الاتفاق النووي في يوليو من العام الماضي، بل على العكس من ذلك، فقد زادت عدوانيتها وتنوعت تدخلاتها السلبية في دول الشرق الأوسط. هذه خلاصة الدراسة التي قدمها المستشار السابق للرئيس باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة الخليج العربي، فيليب جودون، الذي أوضح في تقرير بعنوان "العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران علي مفترق الطرق"، أن اللهجة الإيرانية العدائية تجاه دول الخليج العربي، وبخاصة المملكة العربية السعودية، والغرب والولاياتالمتحدة لم تتغير بعد الاتفاق النووي، في وقت ينفي وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أي مسؤولية عن الاضطرابات الإقليمية ويتهم منتقدي بلاده بأنها "مغامرة مدمرة" مع استمرار النظام الإيراني في ممارسة هوايته باعتقال المواطنين الأميركيين دون محاكمة عادلة.
تصريح إماراتي انطلق التقرير مما ورد في مقال سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولاياتالمتحدة، يوسف العتيبة، في صحيفة وول ستريت جورنال، الشهر الماضي، حيث أعرب عن أسف بلاده، بعد عام من الصفقة النووية مع إيران التي لم يتغير سلوكها. واستشهد التقرير بقول السفير الإماراتي "علينا ألا ننخدع لأننا عرفنا إيران دوما دولة معادية وتوسعية، والدليل هو ازدياد العنف في الشرق الأوسط يوما بعد يوم". ونشر "جوردون" تقريره في الثالث من مايو 2016 على موقع مجلس العلاقات الخارجية، ليؤكد استنتاج العتيبة لا سيما مع اقتراب الذكرى الأولى على الصفقة النووية، يوليو المقبل. في المقابل تلقت إيران "مكافأة تمثلت في أكثر من 50 مليار دولار من الأموال المجمدة سابقا، وازدادت قدرتها على بيع النفط في الأسواق الدولية، ما يعني في نهاية المطاف، بعد عام واحد، أن طهران هي الآن في وضع أفضل يمكنها من بسط نفوذها المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط المبتلي أصلا بالصراعات".
اعتراف صريح مارس جوردون في تقريره النقد الذاتي، معترفا بأنه - بصفته أحد أفراد إدارة أوباما المؤيدة لهذه الصفقة مع إيران - لم يتصور من الناحية الواقعية أن تؤدي الصفقة لتغييرات فورية في سياسات إيران، وكانت هناك قناعة عامة أن الاتفاق النووي سوف يقيد برنامج تسليحها النووي المحتمل بالوسائل السلمية، في حال عدم وجود بدائل أفضل، وهو ما قد يؤدي إلي تغيير سلوك إيران مع جيرانها نحو السلام والحلول السلمية للصراعات في المنطقة بالتدريج وعلى المدى الطويل. وأضاف "اليوم، أدركنا كفريق أن مدة هذه الصفقة 10 - 15 عاما ضئيلة جدا لتغيير سلوك إيران العدائي نحو جيرانها، ولم يؤد رفع القيود عن إيران إلى أي اختلاف".
اختبار نوايا أشار جوردون إلى أن أهم ما في 15 عاما المقبلة، رغم كل الانتقادات التي وجهت للاتفاق النووي مع إيران، هو أن هذه المدة تحفظ مجموعة من الخيارات الممكنة للتعامل القادم مع إيران، ناهيك عن أنها توفر فرصة ذهبية لتجنب أضرار كانت مؤكدة من عدم توقيع هذا الاتفاق. وقال "هذه المدة تنكشف فيها بشكل واضح لا لبس فيه سلوكيات إيران الداعمة للإرهاب، التي تزعزع الاستقرار وتتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، كما تكشف فشل طهران في طمأنة العالم بشأن نواياها النووية السلمية، والأهم من ذلك أنها تتيح لرئيس الولاياتالمتحدة النظر في كل الخيارات المتاحة بما في ذلك استخدام القوة العسكرية مباشرة، وهو يمتلك الأسباب الحقيقية في يده". وأضاف "علينا مراقبة كيف تحوِّل إيران الفوائد من هذا الاتفاق لتحسين علاقتها بجيرانها في الشرق الأوسط، بالتوازي مع الغرب والولاياتالمتحدة، والعقد المقبل هو فرصة لاستكشاف آفاق مختلفة في العلاقة مع إيران وتحسين العلاقات الثنائية معها بدلا من المواجهة الدائمة، مع وضع كل الخيارات المتاحة على الطاولة".
القمع الداخلي قال جوردون إنه كان هناك رهان بأن إيران سوف تصبح لاعبا دوليا مسؤولا، يعامل مواطنيه بشكل أفضل، لكن يبدو أن نظام الملالي الذي يحكم البلاد حاليا سوف يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على سلطته، بما في ذلك اللجوء للقمع الداخلي العنيف، إذ أظهرت الأنظمة القمعية في أماكن أخرى قدرة مذهلة على تولي السلطة لفترات طويلة من الزمن. ومن زاوية أخرى يعتقد جوردون أن التغيير الإيجابي في إيران أمر ممكن، وقال "علينا استكشاف بدائل واقعية للصفقة بدلا من تمزيق الاتفاق النووي"، مضيفا أن البدائل الثلاثة تتمثل في ثلاثة إجراءات متزامنة ومتوازية، أولها المراقبة الصارمة لتنفيذ إيران للاتفاق النووي، وثانيها احتواء طموحات إيران الإقليمية أولا بأول، وثالثها استكشاف إمكانية تحسين العلاقات مع مختلف أطياف الحكم في طهران. ودعا جوردون إلى إعطاء الشعب الإيراني الفرصة للتعبير عن نفسه، لاسيما من خلال الانتخابات، "مهما كانت محدودة ومعيبة"، على أن يتزامن ضمان الحريات في الداخل مع التكامل مع العالم. وبحسب جوردون فإن هناك أيضا الأساس النظري السليم للاعتقاد بأن انفتاح الاقتصاد الإيراني، نتيجة لرفع العقوبات بعد الاتفاق النووي، يمكن أن يسهم في التغيير السياسي على المدى الطويل. وأضاف "في المقابل، ومع افتراض حسن النية في إمكانية - ولو بقدر ضئيل - لتغيير إيران من سلوكها، فإن على الولاياتالمتحدة وحلفائها التحوط ضد احتمال أن تتطور طهران في الاتجاه الأسوأ، مما يعني أن علينا أن نتحلى بيقظة للغاية، والوقوف إلى جانب أصدقائنا في المنطقة، ومواجهة نشاطات إيران لزعزعة الاستقرار. وإذا انهار الاتفاق النووي في غضون عام إلى عامين نتيجة ثبوت تلاعب إيران أو كذبها، فإن علينا -والكلام لجوردون- فورا توجيه ضربة عسكرية خاطفة مع التلويح بالعودة دائما إلى فرض العقوبات مجددا والضربات العسكرية إذا لزم الأمر في حال استمرار إيران في تهديد جيرانها أو الاستقرار في المنطقة".