شهد العالم خلال العقدين الأخيرين عدداً من المجازر التي نفذت لأسباب دينية وقبلية وعرقية، وأسفرت عن قتل وتهجير ملايين الأشخاص. على غرار ما حدث في رواندا وإفريقيا الوسطى وبورما والبوسنة والهرسك. وشهدت دولة البوسنة والهرسك عقب استقلالها عن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، عام 1992، حربا ضروس من قبل الصرب، راح ضحيتها الآلاف، كما نفذ عدد من المجازر كان أبشعها عام 1995، عندما ارتكبت القوات الصربية مذبحة مروعة في مدينة "سربرنيتسا"، راح ضحيتها حوالى ثمانية آلاف قتيل، ونزح عشرات الآلاف من المسلمين من المدينة والمناطق المحيطة بها. وتأتي مجازر رواندا التي وقعت عام 1994، والتي راح ضحيتها نحو مليون شخص من قبيلتي الهوتو والتوتسي، كأكبر المجازر في العالم ، كما شهدت دولة إفريقيا الوسطى، منذ أواخر عام 2013، حملة انتقام واسعة، شنتها ميليشيات مسيحية تعرف باسم "أنتى بالاكا"، ضد المسلمين، الأمر الذي جعل من الفوضى والاقتتال الداخلى، وشبح الإبادة الجماعية عنوانا عريضا للمرحلة الحالية التي تمر بها تلك الدولة. وفي بورما، يتعرض مسلمو الروهينجا لانتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية من قبل الطائفة البوذية، شملت حرمانهم من حق المواطنة، وتعريضهم للتطهير العرقي، ومورست بحقهم جرائم القتل، والاغتصاب، والتهجير الجماعي، وهي الممارسات التي لا تزال مستمرة حتى الوقت الحالي. مأساة رواندا الأكبر على مدي مئة يوم عقب اغتيال الرئيس الرواندي، جوفينال هابيريمانا، في السادس من أبريل عام 1994، شهدت دولة رواندا أكبر مجزرة عرقية، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وذلك إثر نشوب الصراع بين قبيليتي الهوتو والتوتسي، اللتين يجمعهما تاريخ مضطرب، رغم تحدثهم لغة واحدة، ولديهم نفس التقاليد، إلا أنهم في كثير من الأحيان يختلفون في شكلهم الخارجي، من حيث الطول والنحافة التي يتميز بها التوتسي، فيما وصفته قبائل الهوتو على أنه دلالة على أنهم من أصول إثيوبية، وبرروا بذلك قتالهم. وحسب تقديرات الأممالمتحدة فإن هذا الصراع خلف 800 ألف قتيل، غالبيتهم من التوتسي، فضلا عن أعداد كبيرة من منفذي الإبادة من قبائل الهوتو، بينما قالت مصادر محلية إن عدد القتلى الروانديين بلغ مليون شخص من أصل سبعة ملايين، مشيرة إلى أن آثار هذه المجازر طالت جميع العائلات وانتهكت كل مبادئ حقوق الإنسان. وأضافت المصادر أن الجريمة نفِّذت من قبل جماعات سياسية سميت "اكازو"، شكلت القوة العليا في الحكومة الوطنية، التي أعطت الأوامر بإراقة الدماء، حيث قام أفراد الجيش والشرطة وحتى أناس عاديون بإراقة دماء جيرانهم الأبرياء، مشيرة إلى أن مجازر رواندا الجماعية، كانت أول إبادة يتم بثها على شاشات التلفاز، حيث شهد العالم أجمع الرعب الذي واجهه الأبرياء، في ظل عجز المجتمع الدولي عن وقف هذه المجازر. وحسب المصادر فقد قام مليونا لاجئ هوتي بالهرب إلى زائير، فيما تمت إدانة رئيس وزراء رواندا السابق، الذي شهدت فترة حكمه المجزرة، جان كامباندا، في أكتوبر 2000، وكان أول مسؤول سياسي تتم إدانته بالإبادة الجماعية في محكمة لاهاي الجنائية الدولية. وأشارت المصادر، إلى أن المجازر لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تمكنت قبائل التوتسي بعد عودتهم إلى سدة الحكم، عبر حركة التمرد التي كان قادها الرئيس "كاكامي" من الانتقام من الهوتو، وثأروا من مرتكبي المجازر السابقة، لافتة إلى استمرار تأثير الإبادة الجماعية في وسط إفريقيا، حيث ولد آلاف الأطفال نتيجة لحالات الاغتصاب، كما كانت الإصابة بمرض نقص المناعة وسيلة أخرى للقتل. وذكر مراقبون أن مشكلة رواندا بدأت عام 1916، مع وصول الاحتلال البلجيكي للأراضي الرواندية، حيث قاموا بإصدار بطاقات تصنِّفهم تبعا للانتماء العرقي، واعتبار قبائل التوتسي ذات مرتبة أعلى من الهوتو، وهو ما أدى إلى اشتعال الصراع بين القبيلتين. استئصال الإسلام من إفريقيا الوسطى شهدت إفريقيا الوسطى، منذ أواخر عام 2013، حملة انتقام واسعة، شنتها ميليشيات الدفاع الذاتي المسيحية المعروفة باسم "أنتى بالاكا" ضد المسلمين، سواء المواطنون العاديون أو من يشتبه في انضمامهم إلى جبهة"سيلكا" التي ينتمي معظم أفرادها للشمال المسلم. وفيما يعيش معظم مسلمو إفريقيا الوسطى في الشمال بالقرب من الحدود مع تشاد المسلمة، يشتكي نظراؤهم في العاصمة "بانجي"، من عدم قدرتهم على مغادرة أحيائهم من دون حماية، خوفا من تجدد العنف الطائفي ضدهم، رغم توقيع اتفاق لنزع السلاح، في حين تؤكد السلطات أنها تتخذ إجراءات أمنية لمنع وقوع أعمال العنف. ونقلت مصادر عن عدد من السكان المسلمين أنهم يخافون ملاقاة المصير ذاته الذي عرفه كثير من أقاربهم خلال النزاع الطائفي المندلع قبل عامين، بين تحالف "سيليكا" المسلم ومليشيات أنتي بالاكا. يأتي ذلك في وقت تعثرت فيه الجهود المبذولة لإرسال مزيد من القوات الدولية للسيطرة على الوضع المتدهور، خاصة أن قوات حفظ السلام سواء التابعة للاتحاد الإفريقي التي بلغ قوامها ستة آلاف جندي، أو الفرنسية التي يبلغ قوامها ألفي جندي، لم تستطع فرض الأمن، أو منع العنف الطائفي، بعد أن بلغت معدلاته نسبا مقلقة ووصلت حد القتل والتمثيل بالجثث قبل حرقها. ودعت فرنسا شركاءها الأوروبيين إلى احترام تعهداتهم المتعلقة بتقديم مساعدات لتحسين الوضع في العاصمة بانجى والمدن الأخرى، حيث ذكر وزيرا الدفاع والخارجية الفرنسيان في بيان مشترك لهما أن الاتحاد الأوروبي لم يف بتعهداته فيما يتعلق بنشر قواته في إفريقيا الوسطى، بعد أن أعلن مطلع الشهر الماضي عن نيته نشر 600 جندي، تحت قيادة فرنسا. من جانبها، ذكرت منسقة شؤون الإغاثة في الأممالمتحدة، فاليرى اموس أخيرا، أن عدد المسلمين الباقين في بانجى بعد حملة العنف التي شنتها الميليشيات المسيحية، انخفض إلى أقل من ألف شخص من بين أكثر من 100 ألف كانوا يعيشون هناك، وهو ما يتطلب وجود قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة على وجه السرعة، وعدم الاكتفاء بفتح تحقيق أممي في الانتهاكات التي تقع. أما الرئيسة الانتقالية الحالية، كاثرين سامبا بانزا، فقد تعهدت من جانبها بأن تبذل جهدها كي تستعيد البلاد الأمن والاستقرار خلال شهر واحد، وهو تعهد يبدو من وجهة نظر كثير من المراقبين صعب التنفيذ، في ظل الظروف القائمة، ودليلهم على ذلك التقرير الذي سبق أن أصدرته الأممالمتحدة، وجاء فيه أن حفظ الأمن ومنع الاقتتال في إفريقيا الوسطى يتطلب قوة دولية لا يقل قوامها عن عشرة آلاف جندي، وهو ما لم يتم التوصل لقرار بشأنه حتى الآن، الأمر الذي يؤكد أن الأزمة في تلك الدولة ستظل قائمة، دون وجود أفق قريب للحل. إبادة البوسنيين تحت الأنظار حتى عام 1990، كانت دولة البوسنة والهرسك، جزءا من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، التي نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لتضم ست جمهوريات هي "سلوفينيا، وكرواتيا، وصربيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، ومقدونيا، إضافة إلى إقليمين يتمتعان بالحكم الذاتي داخل صربيا، هما "كوسوفو وفويفودينا". غير أن هذا الكيان بدأ يتحلل تدريجيا على أساس قومي، بعد وفاة الزعيم اليوغسلافي جوزيف تيتو، عام 1980، وبعد إعلان جمهوريتي سلوفينيا وكرواتيا عام 1991 على التوالي استقلالهما عن الاتحاد اليوغوسلافي إثر حربين قصيرتين مع الجيش الذي يهيمن عليه الصرب، أعلنت جمهورية البوسنة والهرسك بدورها الاستقلال في 2 مارس 1992، لكن خيار الاستقلال المؤيد من 99% من سكانها، وفق استفتاء رسمي، لم يقبله صرب البوسنة ونظراؤهم في ما تبقى من البلاد، وشنوا حملة تطهير عرقي ضد المسلمين. وفرض الصرب في العام نفسه، حصارا عسكريا على العاصمة سراييفو، مستغلين في ذلك التفوق العسكري، وضعف تسليح المسلمين الذين شكلوا أول فيلق عسكري لهم بتسليح بدائي في 1 سبتمبر من العام ذاته. وسهلت سيطرة الصرب على المرتفعات الجبلية عمليات القنص والقصف التي حصدت أرواح الآلاف أثناء وقوفهم في طوابير المياه أو ذهابهم إلى المدارس، كما حصدت مجزرتان استهدفتا سوق مركالا 66 قتيلا ثم 37 بفارق ستة أشهر. ووسط الصراع الرهيب بين القوات الصربية وسكان البوسنة والهرسك، كان الصرب يقومون بشكل مستمر بعمليات إبادة جماعية للمسلمين، أبرزها تمت عام 1995عندما قامت القوات الصربية بمذبحة مروعة في مدينة سربرنيتسا، راح ضحيتها حوالى ثمانية آلاف قتيل، ونزح عشرات الآلاف من المسلمين من المدينة والمناطق المحيطة بها. وقالت تقارير إن المجزرة بدأت بدخول القوات الصربية المدينة ذات الغالبية المسلمة، ثم عزل الذكور بين سن 14 و50 عاما، عن باقي السكان، وتصفية هؤلاء ودفنهم في مقابر جماعية، فضلا عن عمليات الاغتصاب ضد المسلمات. وعدت تقارير هذه المجزرة هي الأسوأ في تاريخ أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، ففي ذلك الوقت كانت القوات الصربية تقوم بعمليات تطهير عرقي تحت أنظار قوات حفظ السلام الهولندية، التي لم تحرك ساكنًا تجاه ما كان يحدث أمامها من فظائع. وعلى إثر هذه المجزرة ، اجتمع رؤساء البوسنة والهرسك وصربيا وكرواتيا في قاعدة دايتون الجوية بولاية أوهايو الأميركية في 14 ديسمبر 1995، حيث تم توقيع اتفاقية سلام، انتهت بموجبها حرب البوسنة التي استمرت ثلاثة أعوام. عدوان متواصل بحق الروهينجا على مدى العقود الماضية، يتعرض مسلمو الروهينجا في ميانمار لانتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية من قبل الطائفة البوذية، شملت حرمانهم من حق المواطنة، وتعريضهم للتطهير العرقي، والقتل، والاغتصاب، والتهجير الجماعي الذي لا يزال مستمرا حتى الوقت الحالي. وقالت تقارير إن البوذييين يقومون بين الحين والآخر، بإشعال النار في الأحياء والمنازل التي يسكنها المسلمون، مشيرة إلى أن من لم يحرق منزله، يواجه مصيرا أبشع وهو الذبح أو السحل والضرب حتى الموت. وأشارت التقارير إلى أن بعض مسلمي الروهينجا، الذين ينجحون في الإفلات، يضطرون إلى استخدام مراكب متهالكة معرضة للغرق، متجهين إلى بنجلاديش، ليصدموا بفقدان آخر أمل للنجاة، بعد إصرار الحكومة البنجلادشية على إعادتهم مرة أخرى لبلادهم ليواجهوا المصير الحتمي بالموت. شهدت ميانمار عدة مجازر بحق المسلمين إبان الاحتلال الإنجليزي وحتى الاستقلال عام 1948، وفي عام 1962، استولى الجيش على الحكم في بورما، حيث ارتكبت عدة مجازر أخرى، فضلا عن محاولات السلطات لطمس الهوية الإسلامية، بداية بفرض شروط قاسية وتعجيزية على زواجهم، ووسعت السلطات بشتى الطرق ممارساتها للتضييق على المسلمين في كل ما يتعلق بشؤون حياتهم، مما اضطر كثيرين منهم إلى الفرار للدول المجاورة مثل بنجلاديش في مخيمات حدودية، في دولة تعاني من الفقر، ولا تستطيع توفير الحياة الكريمة لمواطنيها. في عام 1982، تم إصدار قانون الجنسية، الذي ينتهك المبادئ الدولية، بنصه على تجريد مسلمي الروهينجا ظلماً من حقوقهم في المواطنة، وقد ترتب على هذا القانون حرمانهم من تملك العقارات، وممارسة التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كذلك حرمانهم من حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية. كما فرضت الحكومات المتعاقبة ضرائب باهظة على المسلمين، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، كذلك تهديد مساجدهم، ومنع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ومنعهم من أداء فريضة الحجّ باستثناء قلة من الأفراد. ذكرت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش في وقت سابق، أن قوات الأمن نفذت اعتقالات جماعية بحق المسلمين، ودمرت آلاف المنازل، فيما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها الشهر الجاري عن أوضاع مسلمي الروهينجا، ما يتعرض له هؤلاء من قتل وتشريد.