شكلت السعودية تحالفا خليجيا- عربيا برئاستها قبل سنة تقريباً وأطلقت عملية عاصفة الحزم في اليمن؛ ذلك جاء بناء على طلب الشرعية الممثلة في الرئيس هادي، نتيجة الانقلاب الذي قاده المخلوع صالح بجانب جماعة الحوثي والذي هرول إلى ساحة الانتقام ليس فقط على خصومه السياسيين فحسب، بل على كافة الشعب. كانت عاصفة الحزم تحلق فوق الأجواء اليمنية بعدما أصبحت كافة المدن وصنعاء العاصمة تحديدا تحت قبضة الحوثيين وقوات صالح الذي فتح لهم المدن والمعسكرات بتخاذل من أتباعه وأعوانه. في ذلك الوقت، كان المسؤولون الإيرانيون يبتهجون بخطاباتهم وتصريحاتهم بأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة ضمن عواصم الثورة الإسلامية الإيرانية أو بالأحرى ضمن تمدد مشروعهم في المنطقة؛ لكن ذلك المشروع لم ينته عند تلك النقطة؛ إنما كان أحد الأهداف البدائية لمشروع الهيمنة في المنطقة. فهدف إيران أبعد من صنعاء وأبعد من اليمن، هي تريد البحار وما يوجد في باطن الأرض، تريد الخليج والجزيرة العربية، تريد عالمها الآخر الذي لم يتشكل بعد في هذا الكون، مما كان لها أن تستحكم على الأجواء في المنطقة في ظل انشغال الخليج والعالم بمشاكل أخرى دون النظر إلى جدية تلك الخطوات التي كانت تستبقها طهران. عاد الخليجيون إلى الطريق، وبدؤوا يستشعرون خطوة الوضع القائم في البلاد والمهدد لهم أولا وأخيرا، وكذا خطورة توسع أذرع إيران في المنطقة، وإبعاد المشهد المتصور وخاصة في اليمن؛ لكنهم كانوا ينتظرون ركلة قدم تضاف لمطالب الشرعية اليمنية للبدء بالتحرك لفرض السيطرة على الأجواء وبَتْر يد إيران وتلقينها درسا من النوع الصعب. تلك الركلة أتت بصورة متسارعة عندما كانت جماعة الحوثي بمساندة المخلوع صالح تستعرض بقواتها العسكرية في البحار والموانئ المهمة، وكانت تعمل على حدوث استفزاز من خلال إجراء مناورات على الحدود اليمنية السعودية. ذلك الأمر أقفل الملف وأنهى استكمال بنود العملية أو المشروع الاستراتيجي الذي كان تصاغ هيكلته ويتبلور من قبل دول الخليج، بمساندة دول عربية وإقليمية ولو بإسناد ضئيل غير ظاهر على السطح، فكان لها -أي السعودية- أن قطعت الورقة البيضاوية لتعاود مجددا نصب وجودها الصارم والقوي في المنطقة والعمل على محاولة اجتثاث أجندة إيران التي تسعى إلى إحداث زعزعة أمنية وفجوات طائفية وتوسع غير مشروع وإحداث قلق عارم يهدد الجميع. لقد بدأت تتساقط أوراق التوت من شجرة إيران ومشروعها الخطير في المنطقة عبر اجتثاث جذور الطائفية الإيرانية، وتجفيف منابع الظل التي تنفذ أعمالا عكسية بالنيابة، ولنا في سورية والعراق أمثلة على ذلك. استطاعت دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص بَتْر يد ايران من تماديها في المنطقة عبر كبح نظام سورية الممثل في الأسد، وتقديم الدعم الكامل للمعارضة السورية والعمل على توحيد فصائلها وفرملة تعاطي إيران في الشأن السوري قدر الإمكان، كما أنها استطاعت أيضا فرملة المشروع الإيراني عبر عملية عاصفة الحزم بطلب شرعي وغطاء دولي لإنهاء سلطة الانقلاب التي قادتها جماعة الحوثي وصالح وقطع العلاقات الدبلوماسية ونسف ما كسبته إيران طوال الفترة الماضية من أهداف استراتيجية تحوم حول تطبيع الخطر الإيراني في المنطقة. وإيران من النوع الذي يستخدم أسلوب التريث والتهدئة وعدم التهور والاستعجال في الخوض بأي أمر كان، وهو ما كانت تتخذه وتسلكه في كافة اجتماعاتها الحوارية على طاولة التفاوض مع دول العالم؛ لكنها وقعت في مصيدة الاستفزاز دون أي شعور باقتحام السفارة السعودية وهو الأمر الذي يؤدي إلى إعلان فتيل الحرب لكونه أمرا مرفوضا، ولا يجوز في عرف المعاهدات الدولية. ستحاول إيران سد ثغرة ما حدث بطريقة أو بأخرى لكونها تدرك المخاطر، وستحاول أيضا أن تتجنب رمي عود الثقاب في الحرب الباردة وترجع إلى التهدئة وعدم الانجرار في خطب التصريحات المباشرة والتعبير عن ندمها في الإقدام على تلك الخطوة كأقل تقدير. فالمملكة لن تتوقف عند تلك الإجراءات بطرد السفير الإيراني وقطع العلاقات الدبلوماسية؛ بل ستعمل على فرملة بقية عجلات إيران، ليس فقط في اليمن بل في سورية والعراق لحصرها في زاوية الاستنجاد. *كاتب صحفي يمني [email protected]