كانت الفرحة تعلو محياها، عندما لبست فستانها الأبيض، خارجة إلى "عش الزوجية"، حالها في ذلك، حال أي فتاة في مجتمعها، ترنو لتكوين أسرة صغيرة، وأبناء يملؤون حياتها صخبا ومرحا. إلا أن البهجة التي ارتسمت على وجه "بسمة"، لم تلبث أن تلاشت منذ أول يوم، بعد أن وجدت في الزوج الحبيب، "جلادا"، يسكن داخله، ولا يفارقه، ولذا كان الانفصال والطلاق، المخرج الوحيد لها، الذي تسعى للحصول عليه، بعد نحو 3 سنوات و3 أشهر من المعاناة المستمرة، زادها وجعا، "التأخير" في إجراءات المحكمة، وبطء سير المعاملة الرسمية، حيث تنتظر أن يصدر قاضي المحكمة العامة بجدة، حكمه بفسخ عقد النكاح، استنادا على ما لديها من إفادات وتقارير، وما لحقها من ضرر نفسي وجسدي. رواية بسمة حضرت "بسمة" بكامل وجعها، وغاب "الزوج" الذي لم نستطع الوصول إليه، وها هي الزوجة "الموجوعة"، تروي إلى "الوطن"، قصتها، كما تراها هي، مستندة إلى وثائق ورسائل، حصلنا على صور منها. تقول "بسمة" في شكواها عن "التعذيب الجسدي والنفسي" الذي تعرضت له، وتضمنته "عريضة الدعوى" التي قدمتها إلى القضاء، إن زوجها بدأ في التعدي عليها وضربها منذ بدايات زواجهما. ومن ذلك الحين، بدأ يتأكد لها طابعه "العدواني"، و"سوء تعامله"، والسبب برأيها هو "سوء دينه وخلقه وسلوكه". ضرب متكرر ذات مرة، أعدت "بسمة" كما تقول وجبة "بيض" لزوجها، كادت هذه الوجبة تنهي حياتها، فبسببها تعرضت لاعتداء جسدي، وعملية "خنق"، فيما كان جنينها يقبع في أحشائها، ولولا "رحمة الله" لكانت فارقت الحياة! شهر رمضان، شهر السكينة والرحمة، حتى في هذا الشهر الكريم، لم يهدأ زوجها فيه على "الأذى" المتكرر بحق "بسمة"، ففي أحد الأيام، وبعد أن امتنع الزوج عن شراء الحليب لابنه، وتركه جائعا لمدة 10 ساعات، أخذت الأم الغيرة على طفلها، ومن باب الاحتجاج، رفضت إحضار الطعام لزوجها في غرفته، فكانت النتيجة أن نالها نصيبها من الضرب والتعنيف، جزاء لها على فعلتها، التي لم ترق لمزاجه!. تضيف "بسمة" في حديثها معنا، قائلة والوجع يعتمر في صدرها "تكرر ضربي بعدها خمس مرات أخرى، وفقدت الوعي في إحدى المرات لساعات. وفي إحدى المرات كان الضرب في السوق أمام الناس، ولأسباب لا تذكر، إما لحديث عفوي أمامه مع بائع، أو رفضي إعطاءه جزءا من راتبي، حتى إنه في إحدى المرات ضربني بسبب نصحي له". محاولة قتل تصف "بسمة" في عريضة الدعوى نفسها بأنها "تعرضت للقذف بالكلام والغش والخداع"، وتقول عنه – زوجها - إنه "ورطني بكفالة غرم وأداء"، مدعية أنه "يعاني من مرض، ويراجع عيادة الصحة النفسية بجدة"، كاشفة عن أنه أخذها في إحدى المرات إلى مكان مهجور وحاول قتلها، كما جاء في إفادتها. ولخصت " بسمة " المحاذير الشرعية، والتي توجب فك الارتباط به، حسب اعتقادها، ب"ترك الزوج للصلاة والصوم، طلبه الجماع بالطريقة المحرمة، إدمان المخدرات والأفلام الإباحية". 3 طلقات! تتعجب "بسمة" وهي تتابع إجراءات معاملتها لدى الأوساط الرسمية، من تأخر هذه الإجراءات، واستغراقها لكثير من الوقت، معتبرة أن ما تطالب به من أن يفسخ القضاء عقد نكاح، هو في الأصل "أمر منتهي"، بحكم أن الزوج فعلاً قد "طلقها ثلاث طلقات بائنات"، وبالتالي بحسب رأيها فإنه "قد تحقق شرط الطلاق". "الطلقة الأولى" كما تروي لنا، كانت في الأشهر الأولى للحمل، موضحة أنه "بعد ضربي سافرت لأهلي". وعن "الطلقة" الثانية تقول "بقيت عشرة أشهر عند أهلي، ولم أعد إلا بعد تعهده أمام شهود بعدم ضربي، وأنه لو ضربني مره أخرى سأكون مطلقه بالثلاث"، مضيفة "ضربني بعدها عدة مرات". أما "الطلقة الثالثة"، فقصتها كما ترويها "بسمة"، أنها "حدثت في شهر محرم من هذا العام، أثناء نقاش بيننا في سيارته، فقام بضربي بقوة على وجهي، إلى أن نزف الدم من فمي، ونطق بكلمة طالق ثلاث مرات متتالية أيضاً". الطفلُ الضحية هذا السلوك "العدواني" من الأب، انعكس سلبا على جو الأسرة ككل، ولم تكن ضحيته الزوجة التي يقع عليها الضرر المباشر، بل تعداه ليطال ابنه، الذي وقع "ضحية" لتصرفات كهذه وبيئة غير مستقرة. وفي هذا الصدد تشير "بسمة" إلى أنها لم تستطع معالجة طفلها في أي مستشفى حكومي، ل"عدم توفر هوية أو إثبات له"، فلجأت إلى "العيادات الخاصة" في ظل الظروف المادية الصعبة التي تعيشها. مما اضطرها تاليا إلى "التوقف عن العلاج، والاكتفاء بإغلاق باب غرفتي، أنا وطفلي، عندما تأتيه نوبة الانهيار والتشنج. وإذا استمر طويلا فاقدا للوعي، اضطر إلى حمله في كيس، حتى لا يلحظه والده، الذي يشاهده البعض يحوم حول المنزل، وأذهب به لأقرب مستشفى للطوارئ ليسعفوه، وأعود به، لتعاوده النوبات مرارا". فقدان الهوية! ما يزيد من المشكلة اليومية ل"بسمة"، هو عدم امتلاكها لأوراق رسمية تثبت هويتها وهوية ابنها الأمر الذي تعتبر أنه "دمر مستقبلي. فالزوج يتحفظ على جواز سفري، وشهادات تطعيم ابني، وعلى أغراضي الشخصية، وأغراض ابني"، إلا أن ما صعب من الوضع كما تقول "فوجئت بالمماطلة وطول الإجراءات في المحاكم، وتعثر معاملاتي"، فيما الزوج يمسك بالمستندات الرسمية والثبوتية، كأوراق ضغط بين يديه. إجراءات ومعاناة في طريق بحثها عن مخرج من الحال التي هي عليها، رفعت "بسمة" دعوى "عنف أسري" ضد زوجها لدى شرطة "السامر" بمدينة جدة، تحمل رقم 3175701077، وتم تحويلها إلى الادعاء العام، برقم الإحالة 1891/41، وتاريخ 11/5/1431ه، الذي أمر بسجن الزوج إلى أن تسافر لأهلها مع طفلها. وبعد أن غادرت إلى العاصمة الرياض حيث مقر إقامة أهلها، حضر الزوج إلى هناك، وقام بتهديد والدها، وتم أخذ تعهد عليه في شرطة "السليمانية" بعدم تكرار فعلته. قضايا متعددة الناشطة الحقوقية والمهتمة بالشؤون النسوية فوزية العيوني، كشفت عن وجود الكثير من الحالات المشابهة لقضية "بسمة"، وهي حالات تطلع عليها عبر متابعتها اليومية، وما يصلها من قضايا بشكل مباشر، أو عن طريق صديقاتها، موضحة أن "أول ما نقوم به هو التواصل المباشر مع صاحبة القضية، والحصول على كافة الوثائق والقرائن المؤكدة للقضية، وقد نتواصل مع أطراف أخرى ذات إضافات خاصة، حول القضايا التي تصلنا، وفي الغالب نستطيع توجيه النساء إلى القنوات الحكومية الرسمية، سواء جمعية أو هيئة حقوق الإنسان، أو الوزارات ذات الشأن، ونقوم مع صاحبة القضية بمتابعتها، وإذا استدعى الأمر وجهنا صاحبة القضية للقضاء، بعد استشارة بعض المحامين، الذين يتطوعون في إعداد لوائح الادعاء والمرافعة في بعض الأحيان، وتقديم النصائح القانونية في كثير من الأحيان". وثائق إثبات العيوني وفي حديثها إلى "الوطن"، أبانت أنه في حالة "بسمة"، فإن القضية "تخدم نفسها كثيراً، كونها تمتلك العديد من الوثائق، كرسالة من والد الزوج لابنه، تؤكد عدوانيته ومرضه، وتقرير من الشرطة يفيد بالعنف الذي تعرضت له الزوجة. كما أن هنالك اعترافا مكتوبا من الزوج بالتعهد بإرجاع قيمة ذهب يخص الزوجة قام ببيعه، وألا يمد يده على زوجته مرة أخرى، موقعا منه ومن أبيه وعمه. إضافة إلى تقرير طبي يفيد باستمرار علاج نفسي سلوكي للطفل، وقرائن أخرى أكبر، من السهل على القضاء الحصول عليها". وتضيف العيوني موضحة "القضية حسب قول صاحبتها وصلت إلى أبواب مسدودة، في إمكانية استمرار الحياة الزوجية بينها وبين زوجها، بل إن ما ورد في ثناياها من أمور، قد تهدد حياة المرأة وطفلها كما تروي الزوجة"، مضيفة "نحن لا نستطيع إثبات ما ورد، إلا أننا لا نستغربه، ولا نستنكر حدوثه، فواقع المرأة يسفر عن كثير يتم السكوت عنه". تعطيل مصالح المرأة المسار الذي تتخذه مثل هذه القضايا بنظر الناشطة فوزية العيوني، من شأنه في حال تأخره أن يحدث نتائج "سلبية"، معتبرة أن "مايؤلمنا في مثل هذه القضايا، هو تعطيل مصالح المرأة والأطفال"، حتى موعد البت في "القضية الأم". مضيفة "بينما الرجل يبقى مستمراً على رأس عمله، ويعيش وضعاً طبيعياً، إلا أن المرأة وأطفالها يعيشون صنوف العذاب والتشرد، بسبب تعنت وتعسف الرجل في ممارسته الباطشة، لرفض الزوجة الحياة معه، فيحرمها من إضافتها أو إضافة أبنائها لهويته الخاصة، وحرمانها وأبنائها من النفقة الشرعية، التي تلزمه تجاه أطفاله، سواء في حالة العيش الطبيعي، أو في حال الانفصال المؤقت أو الدائم، أو يجردها مما يثبت هويتها وهوية أبنائها كما في هذه الحالة، فيحرمها من إمكانية العمل، ومن العديد من الخدمات الاجتماعية والصحية، وحق العلاج المجاني لها ولأبنائها". آملة أنه في حال "كان قدر قضايا الطلاق أو الخلع هو التأجيل لشهور، وربما سنوات، أن تنظر المحاكم لحق المرأة والأطفال في الحياة، بمعنى أن يتحقق للمرأة سبل الحياة الكريمة، بما يقره شرع الله، بأن يلزم الرجل بالسكن والنفقة والعلاج، وكل ما تحتاجه أسرته في الوضع الطبيعي، وحتى استنفاذ الوقت الكافي، لحسم القضايا العالقة في المحاكم، وهذا الإجراء سيعيق مطامح الأزواج في إطالة أمد الجلسات القضائية، بالتخلف الدائم عن حضور الجلسات".