السني الأمين عبدالقادر انتشرت خلال الآونة الأخيرة بمنطقتنا العربية أمراض التهابات الكبد، بينما لم تكن معروفة أصلا من قبل بهذه الصورة. عطب الكبد خطير ومهدد لحياة الإنسان، والأسوأ فيه أن المصاب لا يعرف أنه مصاب من خلال أعراض ظاهرة كما يحدث لبقية الأمراض مثل مرضى السكر، أو من تآكلت غضاريفهم سواء في الركبتين أو العمود الفقري. لا يشعر مريض الكبد بأعراض واضحة إلا بعد أن يبلغ الضرر نسبة (95%)، وعندها تتضرر أعضاء مختلفة من جسده وتتعطل. بعد هذه المقدمة - التي لا بد منها - عن أمراض الكبد لا بد ألا تمر علينا بادرة إنسانية جسدت أسمى معاني التضحية والشجاعة والإيثار على النفس، ونحن في زمن كثرت فيه حوادث العنف الأسري، والتفكك الاجتماعي. ويعتبر الطالب الجامعي مشاري الأحمري المثل الحي في التضحية والفداء.. حكى أنه قرأ خبرا عن فتاة تصارع المرض وأنها تعاني من فشل كبدي، ووالدها أحد أبطال (عاصفة الحزم) مرابط بالجبهة دفاعا عن وطنه، تاركا ابنته التي تعاني المرض، وعندها قرر أن يجاهد بطريقته ضاربا مثلا رائعا في الأخلاق الإسلامية والإنسانية الرفيعة عندما تبرع لها بجزء من كبده، وهو الذي لا يعرفها، ودون أن يعلم أهله إلا والده قبل يوم من العملية ووالدته بعد أسبوع. أما عن مشاري فهو الآن في صحة تامة كما أفاد بذلك الاختصاصيون الذين قاموا بعملية الزراعة، بينما الفتاة في أحسن حال واطمأن عليها الأطباء. هذا هو الشاب الذي أحيا فينا قيم العربي الأصيل والشهامة والنبل، وقد نستدل في ذلك بالآية القرآنية "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". فمن الواجب الاجتماعي والصحي أن ننشر ثقافة التبرع، وهو أحد صور المشاركة المجتمعية، والدفع بالآخرين إلى أهمية التبرع ومحاربة سماسرة الاتجار بالأعضاء، وتعزيز القيم النبيلة للمجتمع المدني كشريك أساسي، ولنجعل من التبرع بالأعضاء عملا إنسانيا راقيا قليل التكلفة للمحتاجين كثير النفع على فاعله وعلى مجتمعه. إن ما قام به مشاري يجب أن يكون مثالا يحتذى به في زمن قلت فيه المروءات، فقلما نجد أناسا يحملون هموم الآخرين، ومسخرين لفعل الخير.