من إبداعات الفكر الإسلامي الخالد ابتكار فكرة التقويم الهجري، لتعرف به الأيام والشهور والسنين، ومن ثم الأحداث والمواقف والوقائع، والذي سيق بتوفيق الله تعالى على يد الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، لتكون الهجرة النبوية إلى المدينة هي بدء التقويم الهجري، واتفقوا على أن يكون شهر محرم هو بداية السنة الهجرية. تدون معظم التقاويم مؤخرا عبارات ومقولات وأحاديث وأبيات وحكما وإرشادات وأمثالا وقصصا قصيرة، الهدف منها تكوين معرفي لدى الإنسان مما يؤدي لجذب الناس لشراء هذه التقاويم، فأصبحت منذ فترة موضع تنافس، وبخاصة عند محبي الحكمة والعلم والشغوفين بالمعرفة، لأنها ترفع سقف الوعي لديهم، وميزة المقولات القصيرة اشتمالها على العمق المعرفي مع قصر العبارة والكلمات، مما يسّهل عملية حفظها وفهمها واستحضارها. مشكلتي أنا، وقد يوافقني البعض في المعاناة ذاتها، هو ربط المثل والحديث والتوجيه والقصة مع حالي وواقعي ويومي، وبخاصة حين تكون العبارة فيها ألم أو صبر أو موت أو خيبة أمل، وتوافق أني أعيش في أجواء مشابهة، فيستدعي زيادة ألمي وخوفي واضطرابي ويتعكر حينها مزاجي، أسوق بعض الأمثلة للإيضاح "الصبر عند الصدمة الأولى"، فحين أقرأها تتهيأ نفسي تلقائيا للترقب والانتظار لمصيبة قد تحل، فينشغل فكري وذهني بالمخاوف. مثال آخر قول الأصمعي "فوات الحاجة خير من طلبها من غير أهلها"، ويكون يومها لدي مراجعة أو استعداد للذهاب إلى مسؤول لإنهاء إجراء، فأربط ذهابي للشخص بما قرأته، وأفسره بأنها رسالة أتت تؤيد ترددي في عدم الذهاب، وهكذا دواليك. وبما أني ذقت مرارة الربط في مواقف كثيرة، أوصي نفسي من اليوم وكل من يقرأ مقالي، بأن يمنعوا الربط السلبي بين ما يقرؤونه وبين ما يعيشونه، وأن يجعلوا المعيار هو الواقع والحقيقة، فهذه العبارات لها اتجاهات واستعمالات أخرى غير تفسيرها السلبي، كأن تغذينا فكريا، لنستشهد بها في أحاديثنا أو نواسي بمضمونها أحد الأحبة والأصدقاء أو نطرز ونعمق بها كتاباتنا وأطروحاتنا أو توجهنا وترشدنا في حياتنا اليومية.