تحتفظ ذاكرة الإعلامي فهد السنيدي بذكريات رمضانية جميلة، استعاد جزءا منها في هذا الحوار السريع الذي أجرته معه "الوطن"، وحاولت الغوص في ذاكراته ليستعيد شيئا من الذكريات الرمضانية في العصر الجميل: ماذا تحمل ذاكرتك عن شهر رمضان؟ ذاكرتي تعود بي إلى منتصف السبعينات الميلادية عندما كانت الإجازة تصادف رمضان، فكنا ننتقل من الرياض إلى المزرعة في الريف ونمكث الإجازة فيها حيث الهدوء والصفاء، كنا نجتمع على مائدة واحدة تجمع الكبار والصغار والعمال، وحتى راعي الغنم كان يفطر معنا، وما زلت أتذكر صوت العصافير وهي تمزق هدوء الريف عندما تأوي إلى شجرة الكينا الضخمة منتظرة المساء لا يفرقها إلا صوت عمي عندما يرفع الأذان بدون مكبرات في ساحة المسجد الطيني، فيعمد ذاك الراعي إلى إناء الماء الكبير ليشربه في رشفة واحدة، عندها كنت أنظر إليه وأتيقن أن العطش بلغ منه مبلغه. وماذا تتذكر أيضا؟ ما زالت الذاكرة تعود بي إلى طعم الأكل الذي له نكهته، التوت الذي نستلذ به، الخضار، البطيخ الذي كان يبرّد بلفه بالقماش (الخيش) ثم نرش الماء فوقها للتبريد، كان رمضان بنكهة خاصة للصغار والكبار، وكنا نجد فيه متعة رغم المشقة، وما زال ذاك الثور الهائج الذي دخل المسجد والتهم المصاحف كلها في حالة غريبة فكنا نهرب منه خوفا وقلقا. هل تتذكر شيئا من تفاصيل قصتك مع صوم اليوم الأول من رمضان؟ صومي الأول كان سببه التنافس فكيف يصوم أخي وأنا لا أصوم؟ وطلبت والدتي منا أن نشرب كثيرا حتى لا نشعر بالعطش، لكن يبدو أن التجربة الأولى لكل طفل لا بد فيها من التسلل الخفي حتى لو لم تشعر بالعطش، فحاولت لكن خابت المساعي وباءت المحاولة بالفشل وأتممت صوم اليوم الأول. ما الذي كان يدفعك كطفل للصوم وأنت في ذلك السن؟ الدافع الأهم المحيط الذي تعيشه، فالجميع صيام ويتنافسون على الطاعات، فكان دافعا لنا ولغيرنا، وللعلم لسنا من جيل الجوائز والهدايا، فلا أذكر أننا صمنا لننال جائزة أو أعطية، بل كنا نرى بيئة صائمة متنافسة فنتسابق. ماذا تتذكر أيضا عن رمضان في مرحلة الصبا والشباب؟ في مرحلة الشباب انتقلنا إلى منزل جديد وكذلك المزرعة دخلتها الكهرباء وعرفنا الراحة والدعة، بل تغيرت المطعومات بالنسبة لنا وصرنا نعيش حياة مختلفة وبدأت الدراسة في رمضان بعد ذلك، وفي عام 1404 بدأت أقرأ في المسجد على المصلين من كتاب الشيخ محمد بن عثيمين (أحدث عليهم)، وهذا أعطاني دافعا للإلقاء ومخاطبة الجماهير، بل بعدها صرت أساعد الإمام في الصلاة إذا تعب. ماذا كنتم تعملون في ليالي رمضان؟ رمضان القديم له معنا ذكريات ومعنى، حيث كانت الأسرة تجتمع والشباب لهم معه حنين يختلف، حتى المساجد كانت لها طريقتها الخاصة، فقد كنا في صلاة التراويح نأخذ معنا القهوة والشاي في المسجد وربما بعض الأكلات من أجل راحة الجلوس، وفي ليالي رمضان الصيفية كانت الحالة في السابق تدور حول ممارسة الرياضة أو التجمعات العائلية، ولم تكن هناك أمور أخرى تشغل الشباب بينما كنت أنا من رواد المراكز الرمضانية القديمة أما الآن ومع تعقد الحياة تغيرت الحال. ماذا عن رحلتك مع الدراسة في رمضان؟ الدراسة في رمضان أدركتني وأنا كبير في أواخر الثانوية وأوائل المرحلة الجامعية، فلم تكن لها مشقة تذكر حيث درست عام 1407 و1408 الجامعة، وهي المرحلة التي أدركت فيها الدراسة الرمضانية. ما هو برنامجك كإعلامي في رمضان؟ في رمضان يختلف برنامجي الشخصي والإعلامي، حيث أعتذر من أي ارتباط برامج مباشرة أو لقاءات، وذلك حرصا على قضاء رمضان إما في المزرعة أو مع الأسرة. ما هي أكثر المواقف التي لا تزال عالقة في ذهنك عن رمضان؟ في عام 1401 ماتت جدتي لأبي وهذه أول حالة وفاة أمام عيني وقد غسلت في البيت وذهبت مع ابن عمي لإحضار النعش فعلق الموقف في ذهني، ومن أكثر المواقف كذلك زيارتي الأولى للحرم عام 1402 في رمضان، وكان الشيخ الخليفي -رحمه الله- يهيم بالقلوب ويصدح بصوته العذب في أرجاء المسجد الحرام وبعد سنتين بدأ الشيخ عبدالرحمن السديس فكنت في رمضان أعيش معه بكل جوانحي. كلمة أخيرة توجهها للصائمين. رمضان هو شهر التغيير فلنبدأ في تغيير حقيقي لحياتنا إلى الأفضل، ورمضان شهر ضبط الحياة وضبط النفس، وفرصة كبيرة لمن أراد أن يجعله محطة لحياته.