غادة هيكل * يحلق في الهواء منتصبا، لا يرتكز سوى إلى جناحيه، عندما حلق في حديقتها، وهو الغريب الذي لا يحلق إلا في موطنه الأصلي، ظنت أن هناك فرحا قادما، ظل محلقا حولها يطنّ ويمتص رحيق أزهار حديقتها الكثيرة، همست له كثيرا بقصص العشاق، حتى يرتبط بالمكان، فقد قالوا في الأسطورة إن طائر الطنان عليم بقصص الحب، فهو الذي يحمل تلك الرسائل في منقاره الطويل الحاد رغم صغر حجمه، ويلقيها في بلكونات الصبايا، وهن لا يعلمن من أتى بها، فتظن كل واحدة منهن أن جارها هو الذي رماها لها، لأنه متيم بها، ومن هنا تقع في شباك الحب، وتبدأ في رمي نظراتها تجاه الشباك المقابل، فتنشأ قصص العشاق بكل دموعها وآهاتها أو فرحها. قصّت له عن حبها الأول، وهي طالبة لم تهذب حاجبيها بعد، وعندما دق قلبها، عرفت طريق المرآة، وبدأت في تهذيب شكلها وهندامها، وتحسس مواضع فتنتها وكيف تبرزها حتى تتحدث نيابة عنها، وأسرّت له بأنه دس في جيبها رسالة غرام ألهبت فيها الأنثى الكامنة، ومع نشوتها عرفتْ أن لها مع القلب الذي يدق رئتين تنفثان الهواء كتنين متمرد، وصدرا يعلو ويهبط كرحاية متعجلة لدهس الطحين، واستأنست بتلك الهزات العنيفة لهذا الكامن تحت ملابسها كنبضات، ومضات ضوء كالتي يرسلها الطائر من جناحيه السريعي الحركة، ثم حكت له عن حبها الثاني وهي في الجامعة، هذا العالم الذي أخذ منها أكثر ما أعطاها ولكنه وهبها روحا حلقت أكثر من ذي قبل، فتوارت بين دفتي الكتب التي أججت نيران عشقها، لهذا الوسيم المتصابى، ولأن طموحها كان عاليا، وتريد أن تصعد السلم سريعا، ألقت بشباك أنوثتها، وأطلقت العنان لطنين شفتيها المعسول، واستعارت بعضا من العسل الذي تسكبه الأزهار في فم الطائر الطنان فيسكره، وسكبته على هذا الوقور نهارا، المخترق لناموس الكون ليلا، شكت للطنان سوء معاملته لها، وطلبت منه وهو مرسال العشاق أن يجد لها خلاصا منه، ولكنها لم تجده، فقد صعد إلى القمر، كي يحمل بعض نوره إلى القلوب المظلمة، فوجده قد ذهب إلى الشمس، كي يضاجعها ويحمل دفء حرارتها لقلوب سكنتها البرودة ليهب له بعضها، وعندما طال انتظارها، وطالت معاناتها، حملت خنجرها المسموم وطعنته بعدد الآلام التي أصبح جسدها يضج بها، وعادت إلى شباك حديقتها تنتظر الطنان كي يحمل لها خبرا مفرحا، ولكنه هاجر إلى موطنه البعيد لأنه لا يريد أن يتحول إلى الطائر الفراّن الذي ما زال يبحث عن مغنيته وهى تجوب البحار، وتخوض غمار العشق المطعم بالنار، لأنه طائر الطنان الصغير الجناحين، السريعي الحركة، ذي المنقار الذي يحمل فقط... رسائل العشاق.