لا يزال سكان مدينة المكلا الذين وجدوا أنفسهم منذ نهاية الأسبوع الماضي تحت رحمة عناصر محسوبة على تنظيم القاعدة، يعيشون حالة من عدم الإدراك لحقيقة ما يحصل في مدينتهم، في ظل تلك الحالة الضبابية التي تسيطر على المشهد العام. فالمعسكرات الكثيرة التي كانت تحيط بهم سقطت في ساعات بأيدي المتشددين، ومعظم المسؤولين الحكوميين غادروها. كما أن الحركة التجارية في المدينة لا تزال متقلبة، والبنوك التجارية والمؤسسات الحكومية موصدة الأبواب، فيما بدأت عجلة المواصلات العامة في الدوران فيها رويدا رويدا. ويدعو البعض إلى ضرورة أن تنهض المكلا وتستفيق من صدمتها، وأن تعود الحياة فيها إلى سابق عهدها، وأن يرجع الناس إلى مزاولة أعمالهم وأنشطتهم المعتادة. وفي المقابل يرفض آخرون هذا التوجه، ويعدونه محاولة لتطبيع الحياة، في ظل سيطرة عناصر القاعدة على المدينة. وإن الحكام الجدد يشعرون بحالة الرفض المجتمعي لهم، وإن استمرار توقف مظاهر الحياة فيها يعد أحد عوامل وأدوات ذلك الرفض. أما على أرض الواقع، فبدأت مظاهر الحياة تعود فعليا إلى طبيعتها، مع قيام عدد من المحال التجارية بفتح أبوابها. وإصلاح كثير من الأضرار التي لحقت بشبكات المياه والكهرباء والاتصالات. فضلا عن إعلان القائمين على العملية التعليمية بإعادة فتح أبواب المدارس والمعاهد الفنية والمهنية، ابتداء من الأحد المقبل. وهو القرار الذي يتوقع أن تتخذه كذلك رئاسة جامعة حضرموت التي علقت الأسبوع الماضي الدراسة في كليات الساحل. أبناء حضرموت ويتفق جميع من تُقابلهم من تلك العناصر في شوارع مدينة المكلا، في التأكيد على رفض تسميتهم وتوصيفهم بأنهم عناصر لتنظيم القاعدة، أو أنصار الشريعة. ويقولون إنهم مجرد أبناء لحضرموت، بدليل أنهم لا يرفعون أعلام تلك التنظيمات، ولم يعلنوا المدينة إمارة إسلامية، مثلما جرت العادة أن تفعل تلك التنظيمات بعد سيطرتها على أي مدينة. وحصل هذا سابقا في مناطق مختلفة كمنطقتي عزان وزنجبار في محافظتي شبوة وأبين. ويقول أحد تلك العناصر وكنيته "أبو هيثم" ويعمل على متن دورية ليلية، إنهم فقط يريدون حماية حضرموت وتأمينها، وإعادة الأمن والأمان والاستقرار إليها "بعد أن ثبت عدم قدرة السلطات على القيام بذلك". ويُكمل بالقول "لا نريد حكم المدينة، وسنتركها بعد أن نسلمها إلى مجلس أهلي، مكون من الشخصيات وشيوخ القبائل والوجاهات الاجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني البعيدة عن التحزب، لاختيار من لديهم الكفاءة اللازمة لإدارة المدينة وحمايتها". تشكيك وتخوف ورغم أن تلك الأهداف والنوايا تبدو نبيلة في ظاهرها، إلا أن هناك من لا يزال يشكك فيها. إذ يقول البعض إن أنصار الشريعة يُدركون جيدا أنهم لن يستطيعوا أن يحتفظوا بالسيطرة على المدينة لأنفسهم لكثير من الوقت بهذا الشكل العلني، وإن المجتمع والإقليم سيمنعانهم من ذلك. ولهذا فهم يسعون إلى ضمان بقاء السيطرة عليها، ولكن من خلف الستار، وذلك من خلال تسليمها إلى جهات وشخصيات موالية لهم في الأصل، وفق سيناريو كان جرى إعداده منذ وقت سابق. وبدأ الحكام الجدد في محاولات عدة ملحوظة للعيان لإعادة ضبط الأمن والأمان في المدينة، وملاحقة بعض أصحاب السوابق المطلوبين على متن قضايا، وبعض الذين يقودون عصابات محلية للنهب والاعتداء على المواطنين، لعل وعسى أن تفلح تلك الإجراءات في تسريع قبول المجتمع لهم. .. والأهالي يتسلمون إدارتها أصدر مجلس علماء أهل السنة والجماعة بمحافظة حضرموت بيانا أعلن فيه التوصل إلى اتفاق مع عناصر ما يسمى "شباب أبناء حضرموت"، بشأن إنشاء المجلس الأهلي بحضرموت وتسليمه مدينة المكلا بإداراتها كافة واختيار رئيس للمجلس من أعضاء المجلس. وأوضح مجلس علماء أهل السنة في بيانه الاتفاقات الأخيرة التي تمت مع شباب أبناء حضرموت بخصوص المدينة وتسيير شؤونها، ومن ذلك تحمل المجلس الأهلي إدارة الأمن العام ومرافقه، وأن يقدم الشباب ما يسير أعمال المجلس والإدارات الخدمية.