لا يعترف الحاج عبدالقادر النجار بالألبومات الصوتية ولا يتوقف كثيرا عند الهواتف النقالة الذكية، فالرجل البالغ من العمر 70 عاما لا يهوى إلا جهاز الراديو، إذ يلجأ إليه إذا ما أراد الاستماع إلى أغنية، أو نشرة أخبار، وحتى التلفزيون لا يمثل بالنسبة له سوى رحلة قصيرة عابرة لا تستغرق سوى دقائق، سرعان ما يعود بعدها إلى "الراديو" الذي يعده عشقه الأوحد. يقول الحاج عبدالقادر ل"الوطن" إن علاقته بجهاز الراديو بدأت عام 1960، وقتها كانت مصر تخط طريقها نحو التلفزيون الذي ظهر كجهاز قوي قادر على سحب البساط من تحت أقدام المذياع، أما هو فاختار أن يشتري جهاز راديو لا يعرف عنه سوى أنه كان ب"عين واحدة"، على حد تعبيره. ومنذ تلك اللحظة أصبح الراديو بالنسبة للحاج عبدالقادر عالمه الخاص الذي يتعرف منه على كل كبيرة وصغيرة، فمن خلاله كان يتابع خطب الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات اللذين ظل صدى كلماتهما يتردد في آذانه بقوة، وهو يقضي فترة تجنيده على الجبهة التي امتدت نحو تسعة أعوام، بدأت قبل حرب 1967 بعامين، وانتهت بنهاية حرب أكتوبر 1973. ويضيف الحاج عبدالقادر، وهو أب لخمس بنات وولد، أن "الراديو كان بالنسبة لي هو التكنولوجيا الذكية التي علمت من خلالها بقرارات الحرب، كما كان بالنسبة لي البوابة التي علمت من خلالها أن الرئيس الراحل عبدالناصر قرر أن يمنح العمال معاشا يساعدهم على الحياة بعد ترك الوظيفة، كما كان بالنسبة لي الوسيلة التي عرفت من خلالها، وأنا على الجبهة، كيف استقبل الناس فرحة الانتصار بعد مرارة النكسة". ويشير الحاج عبدالقادر إلى أن التكنولوجيا الذكية التي تعرف عليها من أحفاده لم تمنعه من الاستمتاع بلذة الاستماع إلى "الراديو"، يقول "لا أشعر بصوت أم كلثوم إلا إذا استمعت إليها من خلال الإذاعة، ويوميا أجلس إلى الراديو لأستمع إليها وهي تغني عبر شبكة إف إم من الساعة الثالثة وحتى الثالثة والنصف، وبمجرد الانتهاء من الاستماع إلى نشرة أخبار الخامسة المسبوقة بجملة "هنا القاهرة"، أقلب المؤشر بسرعة نحو إذاعة أم كلثوم للاستماع إلى أغانيها حتى السادسة، والأمر نفسه يتكرر في تمام الساعة التاسعة". ويؤكد الحاج عبدالقادر أن شعوره بقدوم رمضان يتأكد في اللحظة التي يستمع فيها إلى إذاعة القرآن الكريم، وتحديدا مع انطلاق صوت الشيخ الراحل محمد رفعت، ويضيف "يا الله .. إنه شعور جميل أن تستمع إلى صوت الشيخ رفعت بينما عيناك غير مشغولتين سوى بالنظر إلى السماء، أي روعة يمكن أن تحققها التكنولوجيا الذكية مقارنة بهذا الإحساس، جوارحك فقط هي التي تعمل، وحواسك كلها تنقطع عن صخب التقنية". يقول أستاذ علم النفس وأمراض المخ والأعصاب وعلاج الإدمان الدكتور جمال فرويز ل"الوطن" إن "هناك كثيرين يفضلون الابتعاد عن صخب التكنولوجيا الذكية، ما يوفر لهم الاحتفاظ بقدر كبير من حياتهم الخاصة، فضلا عن أن ذلك يجنبهم الابتعاد عن كثير من الآثار السلبية لاستخدام التقنية، ومنها ما يسمى برهاب الهواتف النقالة، إذ يعاني من يفرطون في استخدام الهواتف النقالة إدمان استخدام، وبمجرد نزع الهواتف المحمولة منهم يصابون بالهلع، إذ يصيبهم شعور بأنهم سيفقدون اتصالهم بالعالم المحيط بهم في حال غياب هواتفهم المحمولة عنهم، ما يتسبب لهم بالهلع والخوف الذي يصبح عند بعضهم خوف مرضي". وأضاف "كما يتعرض من يفرطون في استخدام الهاتف المحمولة بمتلازمة رؤية الكمبيوتر، إذ يؤدي التحديق المستمر بالشاشة لساعات طويلة إلى إجهاد العين والصداع وعدم وضوح الرؤيا، فضلا عن أن الجلوس لساعات طويلة في وضع متحدب طوال اليوم يؤدي إلى آلام في الظهر والرقبة، وعدم استقامة في العمود الفقري". وأكد الدكتور فرويز أن استخدام الهاتف المحمول يؤذي العصب الموجود في الذراع، حيث إن طريق رفع الهاتف للتحدث تتم بثني الكوع، ما يسبب ضغطا على أعصاب الذراع، ويخلف كثيرا من الأذى، لذا أنصح باستخدام سماعات الرأس مع ميكروفونات مدمجة أو سماعة البلوتوث. وأشار أستاذ علم النفس وأمراض المخ والأعصاب وعلاج الإدمان إلى أن "معظم مستخدمي أنظمة الواقع الافتراضي المتمثلة في مشاهدة الأفلام واستخدام الهواتف الذكية والكمبيوتر يعانون دوار الحركة وأعراض الغثيان والصداع".