أجمع خبراء المال والعقار على أن المصارف التجارية تواجه خطرا كبيرا يصل إلى حد الأزمة جراء ضياع مبالغ كبيرة تحت مسمى الديون المعدومة في حال تم إلغاء صكوك عقارية كبرى، وما يترتب على ذلك من ضياع حقوق المصارف التي أقرضتها كبار الملاك تحت بند "الرهن العقاري"، مطالبين بعدم إلغاء رهن الصكوك العقاري. وحول تأثير إلغاء الصكوك أو توقيفها على قروض الرهن العقاري ومدى تأثر المصارف المحلية بذلك ناقشت "الوطن" هذه القضية مع المتخصصين والمعنيين بها. مبالغ ضخمة أوضح رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة عبد الله ألأحمري أنه توجد رهون عقارية كثيرة بمبالغ ضخمة عائدة إلى المصارف المحلية، وهذه القروض تم منحها بضمان أراض صادرة لها صكوك شرعية وذات ملكيات مستقرة منذ فترة طويلة، خاصة بعد أن قننت الجهات المعنية نظام الرهن العقاري وأخذ شكله الحالي وأصبح متعارفا عليه في المعاملات المصرفية، وساعد على دعم السوق العقارية وتنشيطه وهو في صالح ملاك الأراضي خاصة المساحات الكبير، وفي صالح المصارف التجارية والأهم أنه في صالح المستهلك، حيث يساعد على توفير الوحدات السكنية المناسبة، فقد يحتاج العقاريون إلى تمويل مادي للاستثمار في أراضيهم ذات المساحات الشاسعة وهذا ما توفره البنوك بإقراضهم مبالغ مالية كبيرة بموجب الرهن العقاري، أي ضخ أموال في السوق لكي يجد المواطنون المساكن وطرحها بالتقسيط. وأضاف الأحمري أن الرهن العقاري بمعنى آخر يوفر السكن بنظام التمليك المنتهي بالتأجير للمواطن وهو يعد من أفضل الإجراءات التي تم اتخاذها مؤخرا لأنه يساعد المواطن في الحصول على مسكن طبقا لمقدرته المادية اعتمادا على القروض العقارية من المصارف التجارية، أو صندوق التنمية العقارية. وبين أن المصارف تمنح المواطنين مبالغ مالية كقروض عقارية خاصة لذوي الدخول المنخفضة أو المتوسطة وهم يمثلون 60% من المواطنين، وبذلك فإن الرهن العقاري يساعد على التطوير العقاري لاسيما بعدما سمحت الدولة ممثلة في وزارة التجارة ببيع الوحدات السكنية على الخريطة أي بمعني إتاحة الفرصة لمالك الأرض أن يخططها ثم يقوم بتسويقها على الخريطة بموجب المخطط، وهذا الذي يخدم قطاع الإسكان والمواطنين وأصحاب العقارات على السواء. رهن معتدل وشدد رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة على أهمية تطبيق الرهن المعتدل للاستفادة من الأراضي في تطويرها لبناء وحدات سكنية جديدة، وكذلك تطوير الأحياء العشوائية عن طريق بناء وحدات سكنية ومشاريع خدمية في تلك الأحياء من خلال رجال الأعمال والمستثمرين الذين يقومون بذلك مستفيدين من رهن أراضيهم لدي المصارف مما يسهم في ضخ أموال إضافية في سوق العقار تحد من أزمة الإسكان. لوائح ومن جهته، أشار عضو لجنة التطوير العمراني بالغرفة التجارية بجدة المهندس عبد المنعم مراد إلى أن الرهن العقاري له ضوابط ولائحة تنفيذية يتبعها كل من هو مرخص له بتقديم التمويل للرهن العقاري. وبين أن المصارف لديها آليات دقيقة لتقديم قروض الرهن العقاري للمساعدة في تحريك سوق العقار، ومن ثم دعم الاقتصاد الوطني خاصة في حالات الركود الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط كما يحدث الآن، حيث يعد توفير الأدوات التي تساعد على تنمية الاقتصاد وتوفر السيولة في قطاع الإنشاء والعمران وتطوير الأراضي مطلوباً وبشدة، علما أن قطاع العقار والمقاولات يحرك أسعار ومبيعات 99 سلعة خاصة بقطاع الإنشاءات، ومن المعروف أيضا أن القطاع العقاري محرك مهم للصناعة، مشيرا إلى أن الرهن العقاري أداة من الأدوات التي تساعد على ضخ السيولة لذلك يجب تشجيع المصارف على تقديم المزيد من أموال الرهن العقاري بدلا من إخافتها بإلغاء الصكوك الشرعية أو توقيفها خصوصا الصكوك المتعلقة بأراض ذات مساحات شاسعة، وخصوصا أن الرهن العقاري ليس عليه أي خلاف كطريقة نظامية للتمويل العقاري، لذلك يجب تشجيعه وتوفير المناخ المناسب واستقرار سوق العقار بتثبيت الملكيات وليس إلغاء الصكوك الصحيحة حتى يكمن الاستفادة من المدخرات الكبيرة في المصارف المحلية في أعمال مفيدة للمواطن وللاقتصاد الوطني. وتساءل مراد كيف يمكن إلغاء عدد من الصكوك الصادرة منذ فترة زمنية طويلة ومن كتابات عدل رسمية نتيجة لخلاف بين جهات معينة؟، داعيا إلى عدم تشوية صورة السوق العقارية في المملكة خاصة أن قطاع العقار يعتبر ثاني مصدر للاقتصاد الوطنين لذلك لابد من الاستفادة من الأراضي الموجودة باستثمارها وتطويرها. معضلة للعقاريين وبين عضو جمعية الاقتصاد والخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث أن إلغاء الصكوك الشرعية وما يدور حولها حاليا من جدل أصبح معضلة ترهق العقاريين والمطورين، لاسيما أن سوق الاستثمار العقارية ينبغي أن تكون سوقا شفافة مدعومة بمستندات وأوراق رسمية وصكوك شرعية لا يمكن مسها، مشيرا إلى أن ما ظهر مؤخرا حول إلغاء صكوك شرعية أوجد صورة ضبابية لهذه السوق مما يحد من نموها ويوجد حالة من تردد المستثمرين. وأضاف أن منظومة الرهن العقاري التي تم إقرارها سوف تضخ سيولة مالية في سوق العقار، لكن بعد إلغاء أو تعطيل بعض الصكوك الكبيرة جعل هناك ترددا وحالة من عدم الثقة، موضحا أنه ظهر مؤخرا ما يسمى الصكوك الطيارة أو المتنقلة من مكان إلى آخر، وصكوك طبقت على مواقع خصصت لإقامة مساجد، أو مدارس، أو خدمات عامة، أو مواقع حكومية وهذه النوعية من الصكوك من الضروري إلغاؤها لأنها مخالفة. كارثة بنكية وأكد الخبير الاقتصادي فضل البوعينين أنه في حال تم إلغاء صك أراض مرهونة للمصارف يعد ذلك كارثة مالية للمصرف، فمتى تم إلغاء الصك وانتهت ملكية المالك المقترض لأرض الصك فتصبح قيمة الرهن معدومة لدى المصرف، وفي حال تعثر العميل عن السداد سيواجه المصرف مشكلة مالية كبرى لأنه لا يمتلك الأصل المرهون، وبذلك يتحمل المصرف كافة التبعية ثم يلجأ للقضاء وفي مثل هذه القضايا لا يتم الحسم بسهولة، وهذا يعني أن إلغاء الصكوك المرهونة يمثل أزمة مالية ومجتمعية، داعيا إلى احترام ما يصدر عن كتابات العدل فلا يمكن الشك في صك صادر من كتابة العدل تم رهنه بطريقة نظامية، وبعد ذلك تقوم جهة حكومية أخرى بشطب هذا الصك نتيجة لخلافات غير معروفة، مشيراً إلى أنه تقوم كتابات العدل برهن ما في باطن الصك للمصرف أو شركة التمويل مقابل القرض الذي يقدمونه للمقترض، ولا يمكن التصرف بهذه الأرض أو العقار إلا بعد فك الرهن من قبل كتابة العدل بناء على طلب المصرف أو شركة التمويل، وفي حال التعثر يتم النظر في قضية التعثر وعلى ضوئها يتم التصرف بهذا الرهن العقاري، أو يكون هناك حكم لسداد المديونية وفك الرهن لمصلحة المقترض، وعلى سبيل المثال غالبية مخططات مدينة الجبيل موقوفة والغريب أن هذه المخططات اعتمدت من البلدية وتم بيعها وتوزيعها منذ نحو 50 عاما، من يدفع ثمن أخطاء الآخرين وكذلك حماية الصكوك المشتراة من عين العزيزية بجدة منذ زمن طويل؟ فجميع هذه الصكوك صدرت لأصحابها بطرق شرعية. قوة الإثبات وعلى الصعيد ذاته، أوضح المحامي والمستشار القانوني محمد سراوق أن إلغاء الصكوك أو التوجيه بإلغائها لا يكون إلا بموجب أسباب شرعية ونظامية، فمتى توفرت تلك المبررات الشرعية والنظامية فلا يوجد ما يمنع من إلغاء هذه الصكوك، لكن النصوص التي أوجبت العمل بهذه الصكوك لها قوة الإثبات ما لم تخالف الأصول الشرعية أو النظامية أو ظهور تزوير فيها، وهذا يعني إذا ظهر شيء من ذلك أو خالفت الاشتراطات فإنه يجوز الطعن عليها ومن ثم إلغاؤها، على أن ذلك يتوجب ألا يكون إلا بموجب حكم شرعي يبين الأسباب والمبررات التي توجب الإلغاء. وأكد سراوق أن الصكوك الشرعية الصادرة من كتابات عدل هي وثائق رسمية، ولها قوة الإثبات والحجية، ومن ثم لا يجوز الطعن عليها إلا بالتزوير كما نصّ على ذلك النظام، وهذه الصكوك وسيلة من الوسائل الشرعية في إثبات الحقوق. كما أن اعتماد الأمانات لهذه الصكوك وإصدار الكروكيات لها يضيف لها قوة إثبات وحجية أخرى باعتبار الأمانات جهة مناط بها الإشراف على الأراضي والمخططات والمحافظة عليها من التعديات والإحداثيات. وتابع "وقد نصت المادة 140 من نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/21 وتاريخ 20/5/1421 على أنه: "لا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية إلا بادعاء التزوير ما لم يكن ما هو مذكور فيها مخالف للشرع، والطعن على الصكوك يأتي في إطار الطعن والاعتراض على الأحكام الشرعية الأخرى وهي في حقيقتها تعتبر دعوى ضد حامل الصك، ومن هنا ينبغي أن يتوفر في الطعن الشروط المطلوبة في رفع الدعوى أصلاً، وبالتالي فمن يحق له رفع الدعوى يحق له بالتالي الاعتراض على الصك، وقد جاء في نظام المرافعات الشرعية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/1 وتاريخ 22/01/1435 في المادة الثالثة ما نصه: 1- لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة مشروعة، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لمن يخشى زوال دليله عند النزاع فيه. 2- إذا ظهر للمحكمة أن الدعوى صورية أو كيدية وجب عليها رفضها، ولها الحكم على من يثبت عليه ذلك بالتعزير. "لذلك البنوك التي قامت بإقراض أصحاب الأراضي التي تم إلغاء صكوكها ومن ضمنها صندوق التنمية العقاري سيكون هؤلاء جميعاً من المتضررين من واقعة إلغاء هذه الصكوك، بل إن ذلك لا يقل غبنا وضرراً عن الملاك أنفسهم فكلاهما أصابه الضرر من إلغاء الصكوك. بيد أنه من غير المقبول شرعاً ولا نظاماً أن تهدم العقارات الواقعة ضمن الأرض التي ألغي صك ملكيتها.