ندد الوزراء المسؤولون عن الشؤون الثقافية بالوطن العربي بكل مظاهر العنف والتطرف والغلو والإرهاب التي تشوه الرسائل النبيلة للثقافات الإنسانية، ودعوا إلى جعل اللغة العربية قاطرة للإسهام في بناء المواطنة الإنسانية، من خلال خطة عمل محكمة تتيح لثقافات العالم التعرف على القيم السامية والنبيلة للحضارة العربية والإسلامية، وذلك في جلسة افتتاحية لمؤتمرهم ال19 الذي اختتم أمس في الرياض. وكان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز الخضيري تسلم رئاسة الدورة من وزير التربية والتعليم البحريني، رئيس الدورة السابقة الدكتور ماجد النعيمي. وأشاد وزير الإعلام، وزير الدولة لشؤون الشباب، رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتي الشيخ سلمان بن صباح السالم بالدور الحضاري لخادم الحرمين الشريفين راعي المؤتمر، وقال "ونحن نجتمع اليوم لا بد من استذكار السمات الحضارية التي اتسم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، في المجالات جميعها التي كانت محل تقدير العالم عبر مؤسساته الأكاديمية والإنسانية". وأضاف "إن منح منظمة اليونسكو لخادم الحرمين الشريفين ميدالية اليونسكو الذهبية وهي أعلى وسام تمنحه المنظمة، يأتي تقديرا لجهوده في تعزيز ثقافة الحوار والسلام، وكذلك منح الأزهر الشريف الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية واختيار جائزة الشيخ زايد الدولية للكتاب خادم الحرمين الشريفين شخصية العام الثقافية، كلها اعتراف بدوره الكبير في إشاعة السلم والحوار في منطقة بالغة الحساسية للعالم أجمع". بدوره، ركز المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" الدكتور عبد العزيز التويجري على أن اللغة العربية هي الركن الثاني بعد العقيدة الدينية في بناء الإنسان العربي والمسلم، كونها وعاءً للثقافة وعنوانا للهوية، مشيراً إلى أن اختيار "اللغة العربية منطلقاً للتكامل الثقافي الإنساني كموضوع رئيس للمؤتمر، اختيار دقيق يعبر عن فهم عميق للدور المؤثر للغة العربية في تشكيل الهوية، وبناء الذات". من جانبه أكد وزير الثقافة المصري الدكتور جابر عصفور على أن الإرهاب والتشدد يهددان العالم بأسره والعالم العربي هو جزء من هذا العالم، مشدداً على ضرورة وضع خطة شاملة تعي المخاطر والمتغيرات "لكي لا يحملنا العالم تبعات ذلك"، مؤكداً ضرورة تبني حوار عربي عربي لتبني الثقافات العربية وتنوعها. وقال الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية السفير الدكتور بدر الدين علالي "لكل شعب ثقافته التي تميزه عن غيره" منوها بما دعت إليه قمة الرياض من أجل العمل الجاد لتحصين الهوية الثقافية العربية ودعم مقوماتها، وموافقة مجلس الجامعة على مستوى القمة على إطلاق مشروع "النهوض باللغة العربية". وأشارت وزيرة الثقافة الأردنية الدكتورة لانا مامكغ إلى أن اللغة العربية راسخة ومتجذرة في الفكر والحضارة، فيما قدم الدكتور النعيمي ورقة عمل أكد فيها أهمية الثقافة في توطيد العلاقات بين الدول العربية في ضوء المستجدات العالمية. وأشار رئيس ديوان وزير الثقافة التونسي لطفي بن مبارك إلى أهمية انعقاد الدورة بالرياض، فيما سلط وكيل وزارة الثقافة الفلسطينية موسى أبو غريبة الضوء على ما تتعرض له فلسطينالمحتلة من إرهاب صهيوني منظم يريد النيل من مقدساتها وتراثها، مشيرا إلى أهمية تكاتف الجهود العربية والإسلامية لمواجهة المخطط الصهيوني والعدوان والنهب والسلب للثقافة والتراث الفلسطيني. وقدمت وزير الثقافة العراقية الدكتورة فرياد راوندوزي ورقة عمل عن تجربة العراق في الحفاظ على اللغة العربية، مشيرة إلى أن العراق أرسى دعائم تنظيمية أولى في هذا المجال وأسس لجنة دائمة للحفاظ على سلامة اللغة العربية والاحتفاء بها سنويا، كما أنه من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية منظمة اليونسكو لحماية وتعزيز أشكال التعبير الثقافي لعام 2005 كونها تعزز قيم التنوع الثقافي في العراق الزاخر بمختلف الأديان والقوميات، كما أنها حريصة على ديمومة الجائزة العربية للإبداع الثقافي التي انتظمت دورتها الأولى في بغداد بمناسبة الاحتفال بها عاصمة للثقافة العربية عام 2013، مستشهدة بنجاح العراق في تسجيل موقع قلعة أربيل التاريخية لدى اليونسكو. واستعرض أمين عام وزارة الثقافة الجزائرية رابح حمدي إسهامات الجزائر في المحافظة على اللغة العربية والمحافظة على التراث. تدارس وتدارس المجتمعون الأعمال المقدمة خلال المؤتمر، والتي تناولت اللغة العربية باعتبارها اللسان المعبر عن الفكر والإبداع والمعرفة، ودعم الإبداع العربي بجميع تعابيره، والنهوض باللغة العربية باعتبارها منطلقا للتكامل الثقافي الإنساني، والتنديد بكل مظاهر العنف والتطرف والغلو والإرهاب التي تشوه الرسائل النبيلة للثقافات. وأكدوا على أن اللغة العربية لتضمن دورها كمنطلق للتكامل الإنساني، يجب أن تتجاوز حدودها العربية العربية بانفتاحها على التداول الفكري والعلمي والعالمي، من خلال تعزيز حضورها وإنتاجيتها في المحتوى الرقمي العالمي، وتشجيع حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية، ومواكبة استخدام التقنيات الحديثة في طرق وأساليب تعليم اللغة العربية وإنتاج مضامينها. ووافقوا على أن دعم الإبداع العربي بجميع تعابيره الراقية باللغة العربية، يعد قاطرة حقيقية نحو التكامل مع الثقافات الإنسانية، وأن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يجب أن يكون مناسبة للتعريف بالإبداع الثقافي والمعرفي العربي في الداخل والخارج. ودعوا إلى توسيع جسور التواصل والحوار مع العالم، وأكدوا على أن بناء المواطنة الإنسانية لا يمكن تحقيقه أمام استمرار الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على التراث الثقافي العربي والمقدسات الدينية في القدس الشريف، ودعوا منظمات اليونسكو والإيسيسكو والألكسو لمواصلة ومضاعفة جهودها المعتبرة في حماية التراث والذاكرة الفلسطينية.