مهارة تكرار الأفكار بطريقة الروتوريكا السفسطائية التقليدية، باستخدام الإطراء والتملق وإبراز الطموحات والأمنيات للتأثير على سلوك الآخرين واستمالتهم وكسبهم، التي لا تحمل في نهاياتها أي نتائج حقيقية إيجابية ذات معنى، أسلوب الديماغوغيين، وهو أسلوب الفاشلين الذين يعتمدون على الانتقاء والتنميط، وكثيرا على اختزال الحقائق وتشويهها، معتمدين أفكارا ناقصة دون أي برهان أو دليل، يناورون في ساحات الأغبياء التي لا تحتاج إلى براهين بقدر حاجتها إلى إعجاب بعذب القول المنمق، فهؤلاء يتمتعون بالجسارة الديماغوغية فقط في حقول هؤلاء لا أبعد. إلا أنهم في الحقيقة يتقنون تزيين وتحسين وتغليف وعرض هذه الأفكار التي يهدفون من ورائها للحصول على موضع قدم في عقول المستهدفين من قليلي العلم والخبرة، الذين يرون فيهم صيدا ثمينا فيزحفون ببطء ليحتلوا ما أمكن من مساحات عقولهم، لتحويل اتجاه تفكيرهم باتجاه مصلحة المحتل الفكري الجديد وتوجيههم نحو ما يريدون. يجيد الديماغوغيون الدعاية وفن المناورة في الخطابة والجدل والحيل، مؤكدين أفكارهم وادعاءاتهم استنادا على فنون الكلام وحلاوته لا حقائقه، يثيرون العواطف لخداع الضحية وإغرائها لأجل مكسب شخصي بإطلاق وعود كلها تسويفية مستقبلية كاذبة في الحقيقة، لا تستند إلى رؤية واضحة أو أهداف حقيقية مفيدة بقدر كسب ثقة ورضا المستمع، لإيهامه بصدق ما يسمع للحصول على تبعيته الفكرية، فيشكل هذا آراءه ومواقفه متأثرا بما تدفعه إليه انفعالاته التابعة للتأثير السابق لا تحكيم العقل والمنطق؛ لكن بإمكانك معرفة صدق نواياهم بالنظر إلى تملصهم المستمر من المفاجئ والمفيد، ومن الأسئلة التي تستفسر دائما عن النتائج الحقيقية المرتقبة. وهذه الأساليب السفسطائية المحترفة والخداع المبني عليها يجيدهما محترفو الديماغوغية، باستغلال بله وجهل المستمعين من السذج، ليمارسوا عليهم تضليلهم واستدراجهم إلى أوكار أفكارهم للانقضاض عليهم هناك، وسلب إرادتهم ليكونوا فقط ساحة نشاط وعمل لهؤلاء الديماغوغيين.. وقد يطورون الأسلوب بالتكرار لتراه أكثر ذكاء ودهاء، رغم كل مغالطاته الفكرية والموضوعية والبعد عن الصدق والحقيقة، مخالفين بذلك كل القيم الأخلاقية التي تقتضي التجرد والموضوعية، غير آبهين بالمصالح المجتمعية. وإن تسمع ذلك منهم فهو زيف وتملق حقيقي، فهم في الغالب لا يحملون فكرا تنويريا أو معلومات ذات فائدة، بل يمتازون بالضحالة الفكرية ويفتقرون لأي علم حقيقي عدا السطحية في المعلومات والدهاء في الحيلة. كما أنهم بلا مبدأ وبلا ضمير وبلا أخلاق، ولا يملكون ذرة من مصداقية أو موضوعية أو إنصاف.. فلا تعنيهم الأخلاق ولا الحقائق ولا الأحداث، بل مصلحتهم فيها فقط، باستغلال هذه الأحداث أو الوقائع، لذا يعملون على تشويه الحقائق ولي عنقها واستغلالها للتضليل، وتطويعها لما يهدفون إليه، وهم على استعداد تام ودائم لتغيير مواقفهم دون محاذير، طالما أنها تخدم رؤيتهم وبالمحصلة أهدافهم، وإذا ما نُظروا من أصحاب سلطة أو قرار أو نفوذ تجدهم يخرسون. علينا أيضا أن نفرق بين الارتجالية والقدرة على الخطابة أو الكاريزما الخطابية أو الفكرية، التي قد يحمل أصحابها مشاريع فكرية ذات قيمة حقيقية، وقد تكون مشاريع عظيمة تنهض بالمجتمعات إلى أرقى صورها عن الديماغوغيين الذين قد يحملون الصفات القيادية لكنها غير تلك المفيدة.