قبل الاستسقاء هيئوا الأرض لتبلع الماء ليكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب لتغتسل بها الأرض وترتوي، ولتبدل ثوبها البني بأخضر معشب زاه يجعلها كالعروس في ليلة زفافها ممسكةً بالورود اليانعة ليتسابق المهنئون إليها يهنئون بها أنفسهم وليكحلوا عيونهم بكحلها، ويتعطروا من عطرها الذي عطرت به الأجواء قبلهم. فما أجمل المطر الذي هطل، وما أجمل الحياة بعد السقيا، إن لم تكن الأرض محاصرة وبنيتها التحتية مهترئة، وأكل عليها الدهر وشرب وتحمم، ولم يلف حبل المشنقة على الأخضر واليابس بالأنفاق التي أصبحت وكأنها مصيدة أو خزانات احتوت على الماء من كل الاتجاهات وحاصرته حتى يتعفن ويجلب البعوض والنمل الأسود، أو بالشوارع التي أصبحت مجمع مياه راكدة ومسكنا مؤثثا للأوبئة منح من قبل خفافيش الفساد في المدن الرئيسة والفرعية، أو بظلمة الليل الذي عانق انقطاع الكهرباء عناقا مؤلما جعل الظلام الدامس عنوانا للمدينة.. لتلد الليالي الباردة كتلات من تيارات الهواء التي تخلع قلوب "الغلابة" الآمنين في بيوتهم ليدركوا أن الطوفان له أنياب حادة ويلتهم المركبات ويجعل من أصحابها يرقات وزواحف ليتسخ ثوب العروس بالرماد ويتلون بالسواد وتذرف دموعها وترمي ورودها في المستنقع الذي لطخ قلبها وثوبها وحطمها، لتكتب وصيتها في ثلاث نقاط: • عندما يمتلئ جوف الأرض بالماء تحتاج إلى تصريف وبنية تحتية سليمة تبنى بأياد بيضاء ناصعة، وهذا ما نفتقده في بلادنا الحبيبة وبسببها غرقت العروس الجميلة! وخسرنا الضمير والأرواح والأمانة. • عندما تحتضن الأرض الأمطار يفترض أن تنجب الأزهار وتنبت سنابل القمح في وجه الوطن، ويبتهج الناس بقبلة الحياة التي وهبها الرحمن رحمةً بالركع والبهائم الرتع. • الكل يذهب إلى الله في مماته والسعيد من يذهب إلى الله في حياته.