في الوقت الذي تصاعدت فيه في السنوات الأخيرة حملات الرفض لمحاولات بعض التيارات الإساءة للتراث الثقافي العربي، على نحو ما أثير قبل سنوات حول الأثر الفني "ألف ليلة وليلة" التي طالب بعض المتشددين بما سموه تهذيبها وتنقيحها، فوجئ الكاتب المسرحي رجا العتيبي، بحذف مقاطع من نصه المسرحي الذي كتبه عن الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم، أحد شعراء المعلقات، خاصة تلك المقاطع التي تتعلق باستهلال قصيدته الشهيرة. العتيبي كاتب نص (عمرو بن كلثوم) لحفل افتتاح سوق عكاظ هذا العام المزمع انطلاقه الاثنين المقبل في الطائف قال ل"الوطن": الكتابة عن شاعر ناري مثل عمرو بن كلثوم تحتاج إلى منهجية محددة في الكتابة، ومنطلق واضح يتجه نحو الهدف، وإلى قيم فنية عالية تجعل من الدهشة والتشويق والمفاجآت والتكوينات البصرية ناقلات للمضامين بلا تكلف ولا تصنع، ملمحا لأنه لم يتقيد بالصورة الذهنية المطبوعة في الذاكرة العربية عن هذا الشاعر الجاهلي. وأشار العتيبي أنه لم يعمد في كتابة نص عمرو بن كلثوم إلى تتبع حياته وشعره، ولم يكتب نصا توثيقيا يتكئ على المرويات التاريخية، فهذا ليس شأن الكاتب المسرحي، مبينا أنه فنان ينحت من خياله ويرسم عالما متحركا يأتي موازيا للعالم الحقيقي، مؤكدا أنه مسرحي وليس راوية ولا مؤرخا ولا محققا، وبين العتيبي أنه كتب عمرو بن كلثوم الثاني الذي ملأ الأرض العربية صخبا وانفعالا وعاطفة دون أن يضع للسياسة مكانا أو يبتكر للكياسة أسلوبا أو يجعل من التفاوض قيمة أو يؤكد الصبر عنوانا أو يقيم للإنسانية معنى، ففي عصر المعرفة لا يعرف عمرو بن كلثوم الثاني إلا تلك (الفتكة) التي ذهبت طريقة مثلى يستدعيها من أعماق التاريخ لحل مشكلاته، وقال: أما معلقته النونية الشهيرة فهي خط الكتابة الرئيس من خلال (التحاور) معها مفككين قيمها التي تخص فكرة العرض، وأثر هذه القيم على الإنسان العربي في الوقت الحاضر، وبيان وجه الشبه بين عمرو بن كلثوم وبين أجياله اللاحقة من حيث العاطفة والفتك والقتل، وأضاف العتيبي: النص تناول في خط آخر إحدى جدليات المسرح بين مسرح أرسطو (الإيهام) ومسرح بريخت (التغريب)، وستوظف هاتان المدرستان المتباينتان في فكرة المسرحية التي تدور حول تقمص العربي لعاطفة عمرو بن كلثوم أو قدرته على كسر هذا الحاجز والاتجاه نحو العقل، وأكد العتيبي أنه متفائل بوجود المخرج فطيس بقنة قائدا لهذا العمل، شاكرا في الوقت ذاته أمانة سوق عكاظ على جهودها في إنجاح هذا الحدث الكبير، ومثمنا الدور الفاعل الذي يلعبه وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة للشؤون التنموية زياد بن غضيف في تسهيل أعمال سوق عكاظ. وتدور فكرة نص المسرحية حول استدعاء عمرو بن كلثوم الجاهلي للعصر الحالي، باستخدام قواعد (اللعبة المسرحية) من خلال جدلية (الملحمة والإيهام) عند برخيت وعند أرسطو، ليكون عمرو بن كلثوم حاضرا بيننا، وذلك حين تستدعيه إحدى شخصيات المسرحية إلى منطقة صحراوية لا يوجد بها سوى الباحث وعمرو بن كلثوم والمقرر الذي يسجل النتائج الإيهامية ويتداخل بأسئلة جانبية، في حين يتحاور الباحث مع المعلقة من خلال عمرو بن كلثوم ذاته، لإثبات (فرضية) أن عمرو بن كلثوم لم يمت، بل موجود في عالمنا العربي بصور مختلفة سواء على مستوى السياسة أو العلاقات الاجتماعية أو في قنوات التواصل الاجتماعي، بشكل لم يستطع أن يتخلص من تأثيرها، رغم كل المحاولات والظروف الزمكانية المختلفة، ويتضمن النص أشعارا كتبها الشاعر سعد الثنيان تمثل فقرات الرقص الاستعراضي. وفي سياق متصل، تعذر الحصول على تعليق من أمين سوق عكاظ جريدي المنصوري، حول المقطع المحذوف من النص من قبل اللجنة التي أجازته، بحسب العتيبي، بينما قال المخرج فطيس بقية ل"الوطن" إنه لم يعدل في القصيدة وإن جرى تعديل علي بيت أو اثنين أو كلمة ونحو ذلك لا يسمي تعديلا وإنما مبالغة، وأشار إلي أن العمل فيه إسقاطات تناسب الوضع العربي الراهن، وبين أن ورشة العمل التي يعمل عليها مع كاتب النص رجا العتيبي والدكتور صالح المحمود توصلت إلى رؤى إخراجية تناسب العمل. وأضاف بقنة "بالنسبة للبيت الأول من المعلقة لا أعلم أموجود أم لا، والتعديل الذي أقوم به يقوي النواحي التاريخية فقط ومن المستحيل أن تعدل في نص تاريخي، ولكن لي رؤية إخراجية والكاتب عمد إلى الترميز كثيرا في النص". يشار إلى أن سوق عكاظ درج في كل دورة من دوراته على تقديم عرض مسرحي، مسرحية تتحدث عن شاعر من الشعراء، الذين كانوا يرتادون السوق وخلال الدورات السابقة تناول السوق امرئ القيس وطرفة والأعشى وعنترة بن شداد.