حل فصل الشتاء ضيفا ثقيلا على النازحين السوريين في مختلف مخيماتهم داخل بلدة عرسال اللبنانية الواقعة على الحدود بين البلدين. الماء هو بطل المشهد في منطقة المخيمات التي غرق جزء كبير منها بفعل الأمطار. هذا عدا عن البرد الشديد وانقطاع الطرق بفعل الثلوج، والسيول، ونقص الطعام والمياه، ما أدى إلى حدوث وفيات بين أطفال اللاجئين من المصابين بأمراض الجهاز التنفسي والالتهاب الرئوي الحاد. جولة صعبة قمنا بها في مخيمات اللاجئين، حيث عائلات فرض عليها النوم بين المياه والطين، بعد أن دمرت الأمطار الخيام. وبات أثاثهم القليل عائما وسط برك الوحل هنا وهناك. شتاء البرد والمطر البداية مع نازحة سورية تدعى "أم عمر"، استشهد زوجها في إحدى غارات الطيران السوري على بلدة حلب، ما دفعها إلى النزوح مع أولادها الى عرسال. تقول: "ليس لنا حول ولا قوة، خصوصا بعد خفض مساعدات الأممالمتحدة. قررت العمل في الطبخ من أجل مساعدة عائلتي في فصل الشتاء الطويل. طعامنا شاي ومكدوس. ليس لدينا أية وسيلة للتدفئة. وبين يوم وآخر أركض بأولادي إلى داخل عرسال طلبا للأمان عندما يحدث اشتباك بين الجيش اللبناني والمقاتلين في الجبال. لا أستطيع علاج ابني الكبير بعد قطع ساقه في الحرب، إذ رفضت المستشفى استقباله، فساءت حالته بشكل كبير بسبب البارد القارس. وللأسف وضعنا يتجه من السيئ إلى الأسوأ". قضت "أم علي" عامين كاملين في ملجأ الثانوية الصناعية في بلدتها القصير، بسبب القصف العنيف للطيران النظامي السوري وحزب الله للمدينة. تقول: "كنت أنتهز وقت توقف إطلاق النار لأركض إلى منزلي من أجل إحضار الطعام لأولادي الخمسة. وعندما بات البقاء في القصير خطرا على حياتنا، نزحنا جميعا إلى عرسال عند بدء الحرب في القلمون. عشنا بين المخيمات وعلى قارعة الطريق مدة شهر، حتى حصلنا على خيمة من الهيئة الإغاثية، أما الأممالمتحدة فلا تقدم لنا أي شيء". وبسبب هذا الوضع الإنساني الصعب تطالب "أم علي" بنقل النازحين السوريين في عرسال إلى منطقة عازلة، بدلا من البقاء في الخيام التي تنهار على رؤوسهم عند هطول المطر". خالية الوفاض حاولت "أم علي" العودة وعائلتها إلى القصير، بعد أن باتت غير قادرة على تحمل مأساة إقامتها في عرسال، حيث لا عمل ولا طعام ولا أي شيء، وتضيف: "رفضت الحكومة السورية إعادتنا، بعد أن عدتنا من المعارضين للنظام. ومع أن النظام لم يكن يسمح لنا بالمرور إلى لبنان بطريقة شرعية. إلا أنه يريد منا البقاء في سورية حتى الموت. نحن نناشد الأممالمتحدة مساعدتنا على العودة إلى بلادنا. لكنها للأسف لا تتابع وضعنا، خصوصا بعد المعركة الأخيرة في عرسال." فيما تطالب "راوية" التي وصلت منذ أربعة أشهر إلى عرسال قادمة من القلمون، وتقول: "خرجت من منزلي خالية الوفاض. غرقت خيمتي بسبب المطر. لا يقدم لنا أحد المساعدة. لم يبدل أولادي ملابسهم منذ شهر". أفقر النساء في نهاية جولتنا على مخيم البنيان في عرسال، التقينا "سميحة"، التي وصفت نفسها ب"أفقر امرأة في المخيم". وتقول: "قدمت إلى عرسال من فليطة، تركت ورائي "منزلاً جميلاً في القلمون، حينما وصلت إلى عرسال تسولت من الجيران فرشا وأغطية وملابس. منهم من أعطاني أواني منزلية، ثم أقمت مع عائلتي في خيمة من الصوف. أطلب من الله الموت كل يوم، لأنه أفضل بكثير من حياة الذل التي أعيشها هنا وأولادي في مستنقع الأمطار التي أغرقت خيمتي". وتتمنى سميحة العودة إلى بلادها قريبا. إلا أنها تستبعد ذلك، بعد أن احترقت أوراقها الثبوتية أثناء المواجهة الأخيرة في عرسال بين الجيش اللبناني ومقاتلي داعش وجبهة النصرة. تقول: "لم يعد لدي إثبات شخصية. نحن هنا محاصرون في المخيمات داخل عرسال".