في العادات الحجازية الأصيلة تفاصيل جميلة، تتشابك مع عادات باقي مناطق المملكة، و"إفطار العيد"، واحدة من تلك العادات العائلية التي ينتظرها الصغار والكبار من أهالي جدة، في انتظار لقاء الفرح مع أكلات شعبية خاصة بطعم العيد عند كبير العائلة. ومع تطور الزمن واختلاف الأوقات والعادات، انقلب الإفطار إلى غداء، ثم إلى عشاء بحسب طبيعة نوم كل أسرة وعادتها في السهر، كما تغير الحال وتبدل، فبعد أن كان الجميع يحتفل بالمناسبة لدى منزل كبيرهم، خرجت الأسر إلى نطاق أوسع، حيث الفنادق والمنتجعات. الشيخ عبد الرؤوف حامد بخش عميد إحدى الأسر الجداوية العريقة والتي سكنت في منطقة البلد، تحدث عن عادات أهالي جدة في صباح العيد، وقال" مازالت الأسر الجداوية الكبيرة، تحافظ على العادة القديمة في التجمع لدى كبير العائلة في صباح العيد وبعد الصلاة مباشرة، ولكن مع بعض التطوير الذي يوائم الأجيال الجديدة، فبينما لم يجتمع على إفطار العيد في القديم سوى الرجال، الآن تجتمع نساء الأسرة وأطفالها ورجالها في يوم مميز في السنة، يلتقي فيه البعيد والقريب من أفراد العائلة لدى كبيرهم، وفيما اقتصر الاحتفال في السابق على الوجبة فقط، يتم حاليا تحضير برنامج خاص للأطفال مرافق لاحتفالية الكبار، ويتزامن ذلك مع مهرجين وألعاب وهدايا، وبعدها يتلقى الأطفال العيدية. وفيما تشهد الفنادق والمطاعم الكبرى في جدة اهتماما بالغا بتلك المناسبة، تؤكد مديرة العلاقات العامة بفنادق هيلتون جدة غادة علمدار، على تزايد الطلب عليهم أيام الأعياد، وقالت "إن هناك تزايدا في أعداد الأشخاص الذين يتقدمون بطلب حجوزات لإفطار العيد، وفي السنتين الأخيرتين عمد الفندق لفتح أكبر القاعات لديه تلبية لرغبة الأعداد المتزايدة التي تطلب الإفطار في أول يوم العيد ، ويصل مجموع أشخاص العائلة الواحدة إلى ثلاثين أو أربعين شخصا، يتناولون جميعا الإفطار المقدم على شكل بوفيه مفتوح وحسب الطلب مع الزبون المتعاقد، حيث تلتقي الأسر الجداوية المعروفة مقدمين التهاني لبعضهم ،فيما تواكب ذلك فقرات للأطفال ومهرجين وغيره، وهو ما يجعل المنافسة بين الفنادق الكبيرة على استقطاب العائلات المعروفة بتقديم عروض جذابة، وبرامج مميزة ترضي الصغار والكبار ، وتتميز بالتنوع والابتكار". وتعتقد علمدار أن سبب ترك الأهالي للاحتفال بالعادة الشعبية السنوية وهى الإفطار في البيوت وتحولها إلى الفنادق، أن الناس تحب أن تلتقي في أجواء العيد مع أسر أخرى، خصوصا أن ذلك يتم في مساحات مفتوحة وكبيرة في الفنادق تسمح للكبار والصغار بالجري والمرح والاستمتاع بالعيد. من جهته انتقد الشيخ سعد عميد أسرة آل طنطاوي التي سكنت حارة البحر ثم استقرت في حي الصحيفة في منطقة البلد، اندثار العادات الشعبية القديمة ومنها زيارات الأهالي واجتماعهم في بيت كبير العائلة حول وليمة إفطار. وقال الشيخ سعد "انتقلت العادة الشعبية من الاجتماع العائلي ، في صباح العيد إلى اجتماع في الظهر أي على وجبة غداء، ثم تحول إلى اجتماع أسري في وليمة عشاء، وهذا التحول في التوقيت أثر في الفرحة التي تلازمت مع صلاة العيد". الدكتور عدنان اليافي الباحث في تاريخ جدة تحدث عن العادة الشعبية لأهالي جدة في إفطار العيد بقوله "تلتقي غالبية العوائل والأسر في تجمع كبير لفطور العيد الجماعي، وذلك في منزل كبير العائلة، حيث تبدأ الاستعدادات لاحتفالية العائلة قبل العيد بأسبوع، حيث يتم توفير المشتريات من الأسواق، وفي ليلة العيد يسهر سوق قابل إلى صلاة العيد، حيث كان السوق الرئيس لجدة، وكان يستقبل مرتاديه لتوفير المتطلبات المتعلقة بالإفطار الجماعي ، والأكلات ومنها "الأمبة"، و"الأشار"، وهي أكلات لا تتوفر طوال العام، ومنها أيضا تعتيمة العيد، وكذلك أجبان العيد، ويبتاعها الأهالي من محل (دكان خواجه يني)، والطبق الرئيس كانت الشعيرية، ثم الحلاوة اللدو والهريسة، والخبز المخصص لأيام العيد هو "الشريك" و "السحيرة"، إضافة إلى "الزلابية"، وغالبا ما يكون الاجتماع لرجال العائلة مع الأطفال الأكبر سنا، أما النساء فهن غالبا في البيوت، ويهنئ أفراد الأسرة بعضهم بعضا بالعيد، وتقدم العيديات للأطفال المرافقين لآبائهم في ذلك الصباح بعد انتهاء التجمع العائلي لإفطار العيد". ويضيف الدكتور اليافي "في جدة كان العيد يقسم بحسب زيارات العيد، إلى أربعة أيام بحسب أربع حارات رئيسة، هي حارة اليمن وحارة الشام وحارة البحر، وحارة المظلوم، وكانت الأسر في نفس الحارة تزور بعضها في اليوم الأول، ثم باقي الأيام لباقي العوائل في الحارات الأربع الأخرى، ومازال كثير من الأسر والعوائل، يلتزم بعادات إفطار العيد الجماعية، ولكن الكثيرين أصبحوا يتجهون لتنفيذ هذه العادة السنوية خارج البيوت كالفنادق والمنتجعات السياحية وغيرها، وربما يعود ذلك إلى أن الناس في السابق كانوا يسكنون في بيت واحد، فتسهل عليهم الاستعدادات للمناسبة، أما الآن فنادرا ما تتواجد أسرتان في منزل واحد".