تداخل الجانب الأدبي بالجانب الإنساني (الرثائي على وجه الخصوص)، في أمسية كان موضوعها الأساس "الوزير الشاعر والأديب الدكتور غازي القصيبي". ففي محافظة القطيف، نظم "منتدى حوار الحضارات"، الأربعاء المنصرم، أمسية تأبينية للوزير الراحل، وتسابق الكتاب والأدباء والشعراء لوضع لمساتهم على سيرته، حيث ألقى الشاعر، وتحدث الأديب، واستمع الحضور لبعض قصائد الراحل، ولقطات من حواره مع إحدى القنوات الفضائية الذي قال فيه: إن القصيدة تأتيه عفوية فيكتبها، وتأخذ هي المسار الذي تريده. وفي الوقت نفسه أعلن استعداده للموت من أجل الحفاظ على التقاليد والعادات التي يفخر بها المجتمع، ومن خلالها تتم عملية النهوض. الأمسية أدارها فراس أبو السعود، وعرض عدداً من قصائد القصيبي، قبل أن يتحدث الإعلامي فؤاد نصر الله عن القصيبي تحت عنوان (الوزير الشاعر الذي أضاء سموات الوطن)، قائلاً: إنه برحيل الكاتب والوزير الإنسان الدكتور غازي القصيبي نكون قد فقدنا واحدا من مشاعل التنوير في مملكتنا الحبيبة. لقد جمع الرجل بين حس المبدع ومسؤولية الوزير، وأخلاق الفرسان، كما جمع في الوقت نفسه بين جرأة الطرح والقدرة على الوفاء دون أن يكون ذلك حجر عثرة في مسيرته الرائعة. أما العميد السابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور إبراهيم عباس نتو، فسرد في كلمة ألقاها نيابة عنه كميل آل إبراهيم بعض الجوانب من حياة القصيبي، مشيراً إلى أنه ولد في الأحساء يوم السبت الثاني من مارس 1940، الموافق 22 من محرم 1359؛ ثم نشأ وترعرع، مع أخيه الأكبر غير الشقيق فهد، في البحرين، وقال إن القصيبي قال ذات مرة إن المرحومة والدته كانت تود تسميته "حسن". وأشار نتو إلى أن للقصيبي حظوة ومحبة خاصة لدى المواطنين في مملكة البحرين، كما كان قد عُدّ ضمن الشعراء البحرينيين في معظم المواقف، وخاصة في كتاب أعده الدكتور علوي الهاشمي بعنوان: "شعراء البحرين المعاصرون"، حيث ضم الكتاب 24 شاعراً "بحرينيا"، جاء القصيبي من بين أوائلهم. وفي كلمة للدكتورة ثريا العريض، ألقتها نيابة عنها إمتثال أبو السعود، قالت العريض: إنه مفجع أن يأتيك نبأ غياب عزيز عليك إلى الأبد، ومفجع أكثر أن تمر أمام عينيك لقطات حياتية جمعتك به مرة بعد مرة في مسيرة حياة ثريَّة بالعطاء المميز جعلتك موقناً بأنه يستحق المعزة والمودة والاحترام. اليوم اختطف الموت منا أخي الروحي غازي القصيبي، فيا لألمي لفقدٍ لا يمكن أن يعوض، ولا أراه إلاّ هكذا، كما عرفته في الصغر في البحرين، دون ألقاب (معالي الوزير) و(سعادة الدكتور)، فهو هكذا أقرب إليّ وأغلى وأعز بذاته من كل شهاداته وألقابه ومناصبه المتعددة، غازي عبدالرحمن القصيبي، ابن الجيران الذي بيتهم على بعد خطوات من بيت طفولتي الأولى، الصبي الموهوب الذي رأى والدي (رحمه الله) فيه بوادر الشاعر الفحل القادم مستقبلاً، فضمه تحت جناحه الأدبي بين المقربين من أبنائه الروحيين، لم أقابله في الطفولة، وسمعت عنه في الصبا، وقرأت له في الشباب، وكنت بالنسبة له بنت "الأستاذ إبراهيم". أما الروائي مظاهر اللاجامي فقد آلى على نفسه أن يقدم قراءة أدبية عن منتج الراحل، وقال: أنا هنا وراء هذه المنصّة لأقول كلمتي وأمشي كما دعانا أمين الريحاني ذات يوم بعيد، لتكون كلمتي هذه استعادة نقدية أكثر منها استعادة لمنجز الرثاء والتبجيل. وأضاف أن القصيبي ذات اختزلت مجموعة من الأبعاد وأعادت صياغتها في كلّ لتتمثّل في شخصية واحدة ورجل واحد، اسمه غازي القصيبيّ، فهو كما يوصف عادة الشاعر والروائي والكاتب والدبلوماسي والوزير والدكتور، وفي بعض من هذه الأبعاد مثّل القصيبي حالة إشكالية في السياق السعودي، منذ أيام الملك فيصل، حين صدر ديوانه الثالث، حتى الكلمة التي وقع اسمه تحتها مقدمةً لرواية بنات الرياض لرجاء الصانع. وتحدث الدكتور مبارك الخالدي عن القصيبي مؤكداً أنه كان إنسانا بالدرجة الأولى، وقد أحبه كثير من الناس لهذه الصفة، وأنه هو شخصياً انبهر بهذا الجانب الإنساني وقال: لقد كان القصيبي مخلصاً لوطنه لدرجة كبيرة جداً. الكاتب الصحفي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم" الأسبق خليل الفزيع ألقى كلمة تضمنت بعض الأبيات الشعرية، وبعض العبارات الرثائية في حق القصيبي، وقال إن كفة القصيبي في الناحية الإبداعية تفوق أقرانه، فهو في شعره ونثره يمثل نفسه بدون تناقض، وهو صادق العاطفة دقيق التصوير ينهل من ثقافة أصيلة قادته لمستوى الإبداع، كما أنه صوت المواطن، يمثل أحلامه وآماله العريضة. وألقى الشاعر ياسر الغريب قصيدة مطولة عن القصيبي جاء فيها: تمضى على التصنيف لا أنت مطلق ولا أنت ممن في مداه تقيّدا ولا أنت ممن يستظل بغيره ولا كنت بالوهم العتيق مهندا ولكنك الإنسان في كل موقف تحف بك العشاق وتمطرك العدى وبنبرة هادئة، غلب عليها الوقار والحزن، ألقى الشاعر البحريني عبدالله الشيخ جعفر (وهو من أصدقاء القصيبي) قصيدة قال فيها: إن شيعوه فعيني لا تشيّعه أو ودعوه فروحي لا تودعه يظل ملء جفوني ضوء ناظرها يضيء صفو الليالي لو أضيعه في الصباح ربيع من بشاشته وفي المساء هزيع منه يجمعه حضر الأمسية السفير السعودي الدكتور جميل الجشي، وعضو مجلس الشورى الدكتور محمد الجشي، والدكتور حسن البريكي، والشاعر حسن السبع، والفنان جعفر الغريب.