من يتمعن في سلوك وتصرفات معظم البشر باختلاف أجناسهم وألوانهم وعقائدهم وثقافاتهم وفي كل أنحاء العالم يلاحظ بوضوح كمية تناقض هائلة في هذه السلوكيات، وهذه التناقضات إنما تؤكد الضعف والنقص الذي هو من الصفات الخلقية في البشر عموما، حتى وإن حاول بعض العلماء إثبات أن قدرات البشر لا حدود لها. وأن العقل البشري قادر على الإجابة على كل الأسئلة الحياتية من خلال البحث العلمي والتجربة، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما. فالعقل البشري ليس فقط ما زال عاجزاً عن الإجابة على الكثير من الأسئلة، بل ويعيش تناقضات صارخة حيال كثير من البدهيات الحياتية. المدهش أكثر أن معظم هذه التناقضات العقلية تأتي "أحياناً" من بعض العلماء أنفسهم! أما المحزن في الأمر فهو أن معظم هذه التناقضات تتعلق بعبادة الله وحده لا شريك له، فتخيلوا معي أولاً مسلماً متعلماً يؤمن "ويعلم" بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق والرازق والمحيي والمميت وهو المدبر لكل أمور الكون والحياة، ثم لا يتورع عن تصديق السحرة والمشعوذين بوصفاتهم وطلباتهم الغريبة والعجيبة والمنافية لكل القواعد العقلية، في سقوط عجيب للعقل البشري في قعر التناقض. وتخيلوا معي علماء يحققون نجاحات كبيرة في مختلف مجالات العلم الحديث كالطب والصناعة وعلوم الفضاء، ثم للأسف لم يمنع هذا التسامي العقلي الكبير "بعضهم" من عبادة الظواهر الطبيعية أو الحيوانات، في تناقض صارخ لقناعات العقول البشرية. وتخيلوا معي علماء يحققون ويصلون إلى تفاصيل مدهشة عن دقة النظام الإلهي في الفضاء، ودقة النظام الإلهي وإعجازه في الجسم البشري وفي الحياة الحيوانية والنباتية على سطح الأرض، ومع ذلك يخالفون أبسط المقتضيات العقلية تجاه هذه الحقائق، وينسبون ذلك مرة للطبيعة، ومرة للمصادفة، إنه التناقض بعينه، وإذا كان من الممكن قبول هذه التناقضات من الأميين بسبب جهلهم، فكيف يمكن تبريرها فضلاً عن قبولها من علماء لديهم الكثير من الخبرة والتجربة. إنها إحدى حقائق الحياة البشرية المؤلمة والمؤسفة في هذه الدنيا؛ فالإنسان المسكين مع كل اكتشاف جديد يزداد غروره البشري بقدراته وإمكاناته، وفي نفس الوقت واللحظة "ودون أن يشعر" يزداد تناقضه العقلي، من خلال ممارسات وسلوكيات وقناعات تتناقض تماما مع أبسط مقتضيات الحق، لكن غرور القدرة ينسيه مواقف الضعف والتناقض، وهذا النسيان يبعده عن طريق الحق والنور، طريق الإيمان المطلق بالله تعالى خالق الكون وما في الكون سبحانه.