أن يخرج رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للقول، إنه ينتظر دعماً من طهران للإبقاء عليه في إدارة العراق، فهذا بالنسبة للمكونات العراقية الأخرى "قمة الاستفزاز"، والانقلاب على "عروبة العراق". هذا من جانب. من جانب آخر، يقود الرجل – أي المالكي – في تصريحاته تلك، عقلاء السياسة في العراق بشكل غير مباشر، للقول "من حقننا الحصول على كرسي الرئيس العراقي، بارتكاز على عروبة العراق، وقبل ذلك، ما تفترضه "المحاصصة السياسية" يمنحهم الحق في المطالبة بذلك. "شبه الفراغ" في كرسي الرئيس، في بلد رئيسه "ذي الأصول الكردية" يعاني من وعكات صحية، ويخضع للعلاج في أحد المصحات الألمانية منذ قرابة العام، خلق أرضية لأن تتحول العراق، ليد شخص واحد، يحكم، ويأمر، ويدير، وينفذ. كل ذلك بيد نوري المالكي وحده. ومن هذا المنطلق، فتحت "الوطن" ملف فرص حصول المكون السني العراقي، على كرسي الرئيس، أو على الأقل يحصلون على حقهم في خلق توازن سياسي، في بلد أنهكته الحروب، والإدارة الأحادية، منذ عقود طويلة مضت. عين على الكرسي عضو ائتلاف الكتلة الوطنية العراقية رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني، يعطي إشارات، إلى أن العرب السنة يبحثون في المرحلة المقبلة عن منصب رئاسة الجمهورية، على اعتبار أن العراق عضو مؤسس في الجامعة العربية، ومن يمثله يجب أن يكون عربياً لمصلحة العراق، فيما لا توجد موانع في الديموقراطية. وبرغم خلاف رئيس الوزراء نوري المالكي مع قادة الكتل السياسية، يقول المشهداني إن "الأيام المقبلة ستشهد مفاجآت، وإن كل شيء "جائز"، مؤكداً على "أن الجميع سيخضع لإرادة المحاصصة السياسية، التي توصلت إليها القوى السياسية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003". الحسم.. بيد ثلثي الأعضاء الدستور العراقي ينص على انتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء مجلس النواب. بدوره يكلف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، فيما تبقى العملية بحاجة إلى موافقة وتصويت نحو 216 نائباً لانتخاب رئيس للجمهورية. في مثل هذه الحالة، يفترض حصول توافقات، تقود للدخول في ماراثون تفاوضي طويل، لحين حسم الرئاسات الثلاث، ثم الذهاب إلى تشكيل الحكومة، ولذلك لا يمكن لأي قائمة أو كتلة، فرض إرادتها من دون الاستعانة بالآخرين، بمعنى آخر أن لا طريق ثانياً لتشكيل الحكومة، إلا من خلال اتفاقات مسبقة. التقارب مع الرياض زعيم حزب المؤتمر أحمد الجلبي، أطلق على حسابه في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، دعوةً لتطوير علاقات العراق مع المملكة العربية السعودية، واتهم المالكي بالوقوف وراء إثارة الأزمات في البلاد، وخوض حرب الأنبار للحصول على الولاية الثالثة. ويتهم المالكي في ذات الوقت، بعزل العراق عن محيطه العربي، عبر خلق إشكالات سياسية مع دول الجوار، كالمملكة العربية السعودية، التي اتهمها أخيراً بعدة اتهامات، متناسياً تصنيف إدارة حكمه، ب"الداعمة للإرهاب"، عبر علم جهاز مخابراته بعملية هروب هي الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، نفذتها عناصر تابعة لتنظيم القاعدة، بإشراف من حكومة المالكي، حسب ما اعترف به وزراء في ذات الحكومة، يناهضون سياسة نوري المالكي. علاوي والتمسك برفض ولاية ثالثة للمالكي رئيس القائمة العراقية إياد علاوي هو الوحيد بين السياسيين العراقيين الذي تمسك بموقفه الرافض لتولي المالكي رئاسة الوزراء، وأدى ذلك إلى تشرذم قائمته بعد أن تولى أبرز قيادييها مناصب في الدولة، كأسامة النجيفي الذي أصبح رئيسا لمجلس النواب، وطارق الهاشمي نائبا لرئيس الجمهورية "قبل إصدار مذكرة الاعتقال"، وصالح المطلك نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، فيما حمل آخرون حقائب وزارية. ونص اتفاق أربيل على منح علاوي منصب رئيس مجلس السياسات العليا، لكنه رفض المنصب، وأعلن وقتها أن إيران هي من وقفت ضد حصوله على حقه بمنصب رئيس الوزراء لأنه رئيس القائمة التي حصدت أكثر أصوات الناخبين. تبخر الوعود أعلن ائتلاف المالكي في أكثر من مناسبة أنه يسعى إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية تضمن حقوق المكونات العراقية "السنة، والشيعة، والأكراد، والتركمان، والمسيحيين، واليزيدين، والصابئة، والشبك" لاعتقاده بأن حكومة الأغلبية ستتجاوز الأزمات، وتكون قادرة على تلبية مطالب العراقيين وتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية، فضلا عن إعادة البنية التحتية المدمرة، والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، ولا سيما أن 20% منهم يعيشون تحت خط الفقر، في بلد تعد ميزانيته ضخمة جداً "120" مليار دولار، إلا أن وعود المالكي تبخرت، لانشغاله بتصفية خصومه السياسيين، الذين أقصى البعض منهم، وأصدر مذكرات اعتقال للبعض الآخر، وطارد ولا يزال، البعض الآخر منهم. انتظار الإشارة من طهران المراقبون للشأن السياسي العراقي، يرجحون احتمال تكرار سيناريو عام 2010، لاعتقادهم بأن ثماني سنوات في الحكومة منحت المالكي وحزبه الدعوة الإسلامية نفوذاً أوسع، فضلاً عن سيطرته على الهيئات المستقلة، وإعلام الدولة، واستخدام المال العام في الدعاية الانتخابية، ووجود رغبة "إيرانية" في أن يتولى المالكي منصبه لدورة ثالثة، لدعمه نظام بشار الأسد في سورية، وتسخير المؤسسة الأمنية لخدمته والحصول على ولاء منتسبيها. توفر الحظوظ إعلان رفض الولاية الثالثة للمالكي، سواء من بعض الحلفاء والشركاء، لا يعني بالضرورة الثبات على الموقف، بحسب ما يرى المحلل السياسي عمار مجيد، الذي يؤكد أن إيران سيكون لها الدور المهم في تشكيل الحكومة المقبلة، في ظل استمرار الأزمة السورية. يقول الرجل "لن تجازف إيران بالتخلي عن المالكي، وستدعم حصوله على المنصب، لأنها تمتلك التأثير على العديد من القوى الموالية لها التي رفعت شعار - لا للولاية الثالثة – ذات الأمر حصل في الدورة السابقة، ومن غير المستبعد أن يتحقق بوجود ظروف انتخابية مناسبة للمالكي، تؤهله لحصد المزيد من الأصوات بعد أن شكل عشرات القوائم لخوضها، وسيعتمد على مؤيديه من رجال العشائر، وأعضاء حزبه، والانتماء المذهبي للتصويت لصالح قوائمه، كل هذه العوامل وفي مقدمتها تسخير موارد الدولة لخدمة قائمة محددة، جعلت المالكي يعلن رغبته في تشكيل حكومة أغلبية سياسية برئاسته". التحالف بأثر رجعي قبل خوض انتخابات عام 2010 أعلنت قوى شيعية رفضها تجديد الولاية الثانية للمالكي، جميعها كانت منضوية ضمن "الائتلاف الوطني العراقي"، كحزب المؤتمر بزعامة أحمد الجلبي، والمجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري، وحزب الفضيلة، وتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري، لكنها بعد حصول القائمة العراقية وقتذاك بزعامة إياد علاوي على 91 مقعداً، تحالفت القوى الشيعية مع دولة القانون، وتم إعلان تشكيل التحالف الوطني، وبقرار من المحكمة الاتحادية، وأخذ التحالف صفة الكتلة الأكبر في البرلمان، ثم طرح مرشحه المالكي لمنصب رئيس الوزراء، وباتفاق أربيل تقاسمت الكتل الكبيرة الرئاسات الثلاث، والمناصب الوزارية، بعد أن تخلى الجميع عن موقفهم بأن يكون المالكي رئيسا للحكومة. 10 قوائم ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، شارك بأكثر من 10 قوائم في الانتخابات البرلمانية التي جرت أول من أمس، لضمان الولاية الثالثة له، وسط رفض حلفائه السابقين المجلس الأعلى الإسلامي في العراق والتيار الصدري، توليه منصب رئيس مجلس الوزراء، أما الشركاء التحالف الكردستاني وقائمة متحدون للإصلاح بزعامة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، فلم يختلف موقفهم عن الحلفاء، فيما يعد رئيس القائمة الوطنية إياد علاوي من أشد الرافضين وموقفه ثابت غير خاضع للتغيير، في ظل إمكانية التراجع عن المواقف بموجب صفقة تقاسم المناصب والمواقع في الحكومة المقبلة، فضلاً عن عوامل التدخل الإيراني التي جعلت من المالكي رئيسا للحكومة بعد انتخابات 2010. وبحسب ممثلي الائتلافات والكيانات المشاركة في الانتخابات، فإن نتائجها الأولية تشير إلى تقدم حظوظ المالكي في حصد المزيد من الأصوات، يليه إياد علاوي، ثم كتلة المواطن، فائتلاف متحدون للإصلاح، فيما اقتصرت عمليات التصويت في إقليم كردستان لصالح القوائم الكردية، وسط توقعات بأن يحقق التحالف المدني الديموقراطي مفاجأة بعد إعلان النتائج.