تلعب المحسوبية دورا هاما في تفشي ظاهرة تحكم عمالة سائبة في سوق الماشية والإبل بمحافظة القرية العليا، الذي يعد أنموذجاً جلياً لما وصلت إليه هذه العمالة من سيطرة على مقدرات السوق الذي يعد أحد أهم الأسواق في المنطقة. ويمكن تلخيص ما يحدث في السوق بأنه تحكّم مجموعة من العمالة ومعظمهم من المخالفين لأنظمة العمل، بمقدرات السوق من بيع وشراء وسيطرة على الأسعار وتوجيهها بما يخدم مصالحهم دون المبالاة بالخاسر الأول في ذلك الأمر وهم المواطنون أصحاب المواشي، الذين يرتادون السوق بغرض البيع أو الشراء، إذ يتعرضون لتضييق في الأسعار لدفعهم للبيع أو الشراء بأسعار غير مناسبة، فالعمالة تتوفر لديها السيولة المالية التي تجعلها في موقف قوي في عمليات البيع والشراء. سُوقا الإبل والأغنام في محافظة قرية العليا متقاربان ويعجان بعشرات العمالة السائبة التي تتسيد السوق. ويرى بعض المتعاملين في السوق أن تفشي وباء العمالة السائبة لم يكن ليوجد لو أن هناك فرعاً لإدارة مراقبة ومتابعة الوافدين أسوة ببقية المحافظات. ولا يعول آخرون كثيراً على الجولات القليلة التي تقوم بها بعض الجهات الحكومية، ويرجعون السبب إلى المحسوبية المتفشية بين بعض كفلاء العمالة وبين موظفي تلك الجهات الرقابية، وهي مشكلة أخرى تفاقمت بسببها المشكلة الأولى، فبعض المواطنين يسرحون مكفوليهم مقابل دخل شهري ثابت. وعن هذه الظاهرة، يقول المواطن عيد قاعد المويهي إن غالبية كفلاء تلك العمالة هم من خارج المنطقة، ويستغلون ضعف الرقابة الحكومية وعدم وجود فرع لإدارة الوافدين في المنطقة للزج بعمالتهم في السوق بشكل عشوائي، دون أدنى اعتبار للخطر الاجتماعي الذي تمثله تلك العمالة السائبة. ويتفق معه عبد العزيز هزاع الشقير في الرأي، مؤكدا أن أغلب العمالة المنتشرة في سوق المنطقة من الجنسية الأفريقية، ولا يحملون أي إثبات رسمي، كما أن البقية يحظون بحماية كفلائهم الذين تربطهم علاقات مختلفة مع موظفي الجهات ذات العلاقة، ولا يمكن حل تلك المشكلة إلا من خلال تفعيل دور الجهات الرقابية بشكل شفاف بعيدا عن المحسوبية والجولات الروتينية التي لا تنفع في معالجة القضية، مع فتح إدارة للوافدين في القرية العليا. وفي السياق نفسه، يقول سعود خالد المطيري إن العمالة الأفريقية سيطرت تماماً على السوق وباتت تتحكم في أسعار الماشية، فهم يشترون بأسعار بخسة ويبيعون بأضعاف تلك الأسعار دون حسيب أو رقيب على عمليات البيع والشراء في هذا السوق. من جانبهم، أكد بعض هذه العمالة ل"الوطن" أنهم يأتون إلى هذه المنطقة بطرق غير مشروعة من مناطق مختلفة مثل الرياض والدمام والأحساء وغيرها، لأن مجال العمل أكثر حرية بعيداً عن الأنظمة المشددة في تلك المناطق، إضافة إلى العلاقات التي قاموا بتكوينها في المنطقة بمرور الوقت، وهو ما يجعلهم أكثر اطمئناناً على مصير عملهم. ويوضح عامل أفريقي أنهم يشتركون في جمع مبالغ مالية في أيام "الحراج" للظفر بالماشية المعروضة بأسعار مناسبة، ويقومون بعمل تكتلات كبيرة في السوق. إلى ذلك، قال الناطق الإعلامي لشرطة المنطقة الشرقية المقدم زياد الرقيطي ل"الوطن" "لدينا تصور عن مدى المشكلة، وبالفعل تم تشكيل لجنة من الجهات ذات العلاقة ممثلة في محافظة القرية العليا وشرطة المنطقة، إضافة إلى جوازات المنطقة الشرقية، للوقوف على تلك المخالفات والتعامل معها. وأسفرت أولى الحملات التفتيشية عن القبض على 15 مخالفاً لأنظمة العمل والجوازات في سوق الماشية والإبل في القرية العليا. كما تم اكتشاف أن الكثير من تلك العمالة لديها مخالفات متعددة، وسيستمر عمل اللجنة بشكل متواصل لحين إنهاء تلك الظاهرة بشكل جذري.