من خلال مكتب يطل على قبة الصخرة المشرفة على باب المجلس، إحدى بوابات المسجد الأقصى، يتابع مدير أوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب، عن كثب تطورات الوضع في المسجد، فحراس المسجد وعددهم 250 يطلعونه أولا بأول على أعداد المستوطنين الإسرائيليين الذين يقتحمون المسجد، وفي حال ساءت الأمور فإنه يسارع إلى إبلاغ السفارة الأردنية في تل أبيب ووزارة الأوقاف في الأردن وغالبا ما ينجح في صد الهجمات الإسرائيلية. وكان الكنيست الإسرائيلي، تحت ضغوط أردنية ودولية، أرجأ الثلاثاء الماضي جلسة كانت مقررة لمناقشة مقترح قانون تقدم به نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشي فيجلين لفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى بدلا من السيادة الأردنية. وقال الشيخ الخطيب ل"الوطن" إن" إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس تتبع للحكومة الأردنية وهي الوحيدة المسؤولة عن إدارة الأمور في المسجد الأقصى بكل ما تعنيه كلمة "إدارة" من معنى. وأضاف" بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وفي ضوء محاولة سلطات الاحتلال تسلم مسؤولية الشؤون الدينية، اجتمعت مجموعة من الشخصيات المقدسية وتم تشكيل الهيئة الإسلامية العليا وصدرت الفتوى الشرعية بأنه إذا احتلت الأرض من غير المسلمين فيجب أن تقوم جهة إسلامية بإدارة مؤسساتهم الرسمية وهو ما تم حيث استمرت الحكومة الأردنية بإدارة الأوقاف". وأضاف الخطيب "منذ ذلك الحين والمملكة الأردنية الهاشمية تقوم بدور الرعاية للمقدسات وبخاصة المسجد الأقصى المبارك والإدارة لكل الأوقاف بما في ذلك المحاكم والمدارس وغيرها من مؤسسات الأوقاف وممتلكات الأوقاف". في ذلك الحين كانت مسؤولية الأوقاف لا تتوقف عند حدود القدسالشرقية بل تعدتها إلى كل أنحاء الضفة الغربية إلى أن أصدر العاهل الأردني الراحل الملك الحسين بن طلال في الحادي والعشرين من أغسطس 1988 قرار فك الارتباط بالضفة الغربية وذلك بناء على طلب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ويقول الخطيب "بعد صدور قرار فك الارتباط ولاحقا إقامة السلطة الفلسطينية في العام 1994، فقد بقيت القدسالشرقية الوحيدة تحت الرعاية الأردنية بشكل مباشر إن كان ما يتعلق بالمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى أو الأوقاف بما تشملها من مساجد ومحاكم شرعية ومدارس وعقارات ومؤسسات". وتعتبر الحكومة الإسرائيلية، الفلسطينيين في القدسالشرقية أردنيين وهو ما يظهر في خانة الجنسية في وثائق السفر (لا سيه با سيه) التي تصدرها الداخلية الإسرائيلية لسكان القدسالشرقية، في حين تصدر الأردن جوازات سفر موقتة لمدة 5 سنوات لسكان القدسالشرقية باعتبار أن اتفاق أوسلو يمنعهم من الحصول على جوازات السفر الفلسطينية التي يحصل عليها جميع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. وخلافا لما قد يعتقده البعض فإن إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس هي المؤسسة الأكبر في القدس، فيشير الخطيب إلى أنها توظف 600 شخص وتدير عقارات تصل إلى نحو 55- 60 % من الممتلكات في القدسالشرقية بما فيها الأوقاف الصحيحة أو الأراضي المحكرة. وقال الخطيب" هناك مستشفيات كبرى في القدس مقامة على أراضي أوقاف ومشاريع إسكان وكنائس مقامة على أراض محكرة، بما فيها 35 ديرا وكنيسة، وهناك لجان زكاة تنفق 4-5 ملايين دينار أردني سنويا على الفقراء وهناك دور للغة والتراث و101 مسجدا تشرف عليها الأوقاف ومراكز صحية ومتحف إسلامي". وأضاف أن "العقارات المملوكة للأوقاف واسعة جدا وهناك 1100 مستأجر من الأوقاف في القدس بإيجارات رمزية وذلك بقرار من الملك حسين؛ آخذا بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المدينة ورغبة في صمود وثبات المقدسيين في المدينة للحفاظ عليها من إجراءات التهويد الإسرائيلية". وتابع الشيخ الخطيب: "تقع تحت مسؤولية الأوقاف، العشرات من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، إضافة إلى 42 مدرسة، فضلا عن المساعدات التي تقدمها مبادرة مدرستي فلسطين التي أطلقتها الملكة رانيا العبد الله التي رممت 22 مدرسة وساهمت في تأهيل عدد كبير من المعلمين من خلال البعثات والتدريب". ويستلزم الحفاظ على هذه العقارات الحيز الأكبر من الجهد والمتابعة من قبل الأوقاف الإسلامية سيما وأن منظمات إسرائيلية متطرفة، مدعومة من قبل المؤسسات الرسمية الإسرائيلية، تسعى جاهدة للاستيلاء على الكثير منها، خاصة تلك القائمة في بلدة القدس القديمة وتحديدا القائمة في محيط المسجد الأقصى. غير أن المشروع الأكبر بالنسبة لإدارة الأوقاف الإسلامية في القدس والذي يأخذ الجهد الأساس من قبل طواقمها هو المسجد الأقصى المبارك الذي يقع على أرض مساحتها 144 دونما بما يشمل المسجد القبلي المسقوف والمصلى المرواني وقبة الصخرة المشرفة والمصاطب والمرافق والمؤسسات. وإضافة إلى صد المحاولات الإسرائيلية المتكررة لإيجاد موطئ قدم للمؤسسات الرسمية الإسرائيلية في المسجد الأقصى، والاعتداءات المتكررة من خلال اقتحامات جماعات يهودية للمسجد، وأعمال الحفريات الإسرائيلية التي تؤثر على جدار المسجد والمنازل والعقارات المقامة في محيطه؛ فإنه يقع على كاهل الأوقاف ترميم المسجد. وبحسب الشيخ الخطيب فإن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ومن قبله العاهل الأردني الراحل الملك حسين يصران على أن تتم عمليات الترميم وفرش المسجد على نفقتهما الخاصة. واستغرق مشروع الترميم الأكبر سنوات طويلة في إصلاح ما تسبب به الحريق الذي نفذه متطرف يهودي في العام 1969 الذي طال أيضا منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى قبل أن يقوم الملك عبد الله الثاني بإقامة منبر مماثل مكون من 16 ألف قطعة خشبية مركبة بطريقة التعشيق وبتكلفة وصلت إلى 4 ملايين دولار أميركي؛ حيث تم تركيبه في المسجد قبل سنوات. وقال الشيخ الخطيب "ثمة مشاريع إعمار ضخمة تم تنفيذها في المسجد على نفقة الملك عبد الله الثاني، من بينها 6 مشاريع في السنوات الأخيرة الماضية بما يشمل ترميم الفسيفساء في قبة الصخرة بتكلفة 3 ملايين دينار أردني، وتحديث نظام الكهرباء في المسجد للمرة الأولى منذ العام 1960، ومشروع إضاءة قبة الصخرة، ومشروع إطفاء الحريق، ومشروع تهوية قبة الصخرة وإعادة تأهيل الإنارة الداخلية، ومشروع سيارات النظافة، فضلا عن تصفيح سطح المسجد الأقصى والمتحف الإسلامي ب 200 طن من الرصاص، ومشروع ترميم 4 آلاف مخطوطة قديمة وتاريخية، وترميم المصلى المرواني وفرشه". وأضاف "تم مؤخرا طرح عطاء جديد لفرش السجاد في قبة الصخرة والمصلى المرواني على نفقة الملك عبد الله الثاني، ويتوقع استكمال هذه العملية قبل حلول شهر رمضان المقبل". اتفاق فلسطيني أردني وصاية الأردن على المقدسات في القدس كانت تتم باتفاق فلسطيني-أردني شفوي تم التأكيد عليه في اتفاقية مكتوبة وقعها الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في الحادي والثلاثين من مارس الماضي. ونص الاتفاق على أنه "أعاد الرئيس عباس التأكيد على أن الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصا المسجد الأقصى، المعرف في هذه الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف". ويلفت الاتفاق إلى "دور الملك الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس وإعمارها منذ عام 1924، واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم، وذلك انطلاقا من البيعة التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، والتي تأكدت بمبايعته في 11 مارس 1924 من قبل أهل القدسوفلسطين، وقد آلت الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس إلى الملك عبد الله الثاني، ابن الحسين". ويؤكد الاتفاق "إن رعاية ملك المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة في القدس تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى" مشددا على أن "الملك عبد الله بن الحسين يعمل بصفته صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس على بذل الجهود الممكنة لرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس وبشكل خاص الحرم القدسي الشريف". البند التاسع وكانت إسرائيل اعترفت بالدور الخاص للأردن في اتفاق السلام الإسرائيلي- الأردني الذي نص في بنده التاسع على أنه "أولا، سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الوصول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية، وثانيا، وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن، وثالثا، يقوم الطرفان بالعمل سويا لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاث، بهدف العمل باتجاه تفاهم ديني والتزام أخلاقي، وحرية العبادة والتسامح والسلام". تصعيد ملحوظ منذ 2003 ولكن الفترة منذ العام 2003 شهدت تصعيدا ملحوظا من قبل الإسرائيليين إذ في حين شرعت إسرائيل رسميا في تسهيل الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد وبدأت تتعالى الأصوات الإسرائيلية مطالبة بإيجاد موطئ قدم لليهود في المسجد؛ بدأ إسرائيليون يتحدثون في السنوات الأخيرة صراحة عن تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود إلى أن ظهرت الأصوات المطالبة بإنهاء السيطرة الأردنية على المسجد ونقلها إلى إسرائيل. فمع الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدسالشرقية في 1967 فقد سيطرت قوات الاحتلال على مفتاح باب المغاربة وهو أحد أبواب المسجد الأقصى في الحائط الغربي للمسجد والمؤدي إلى ساحة البراق التي يسميها اليهود حائط المبكى ويؤدون الآن صلواتهم الدينية هناك. يقول الشيخ الخطيب "في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000 وإثر اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إرئيل شارون المسجد الأقصى، فقد قررنا إغلاق المسجد أمام السياحة الأجنبية واستمر الوضع على هذا النحو حتى السادس والعشرين من أبريل 2003 حيث قررت الشرطة الإسرائيلية أحاديا ورغم معارضة الأوقاف الإسلامية فتح المسجد أمام السياحة الأجنبية، ومنذ ذلك الحين فإنهم يُدخلون السياح وجماعات المستوطنين الإسرائيليين من خلال باب المغاربة وبحراسة الشرطة الإسرائيلية". منذ ذلك الحين سمحت الشرطة الإسرائيلية باقتحام الآلاف من غلاة المستوطنين للمسجد الأقصى وهو ما تسبب في الكثير من الأحيان باشتباكات بين المصلين المسلمين وحراس وسدنة المسجد الأقصى المبارك من جهة والشرطة الإسرائيلية وجماعات المستوطنين الإسرائيليين من جهة أخرى. وقال الخطيب" إنهم يتمادون يوما بعد يوم وذلك بدعم من جهات رسمية إسرائيلية وعلى الرغم من مطالباتنا المتكررة للشرطة الإسرائيلية بوقف الاقتحامات ومنع الاستفزازات إلا أن الشرطة الإسرائيلية لا تستجيب لمطالبنا وهو ما ينذر بعواقب وخيمة تتحمل مسؤوليتها الحكومة الإسرائيلية وحدها". قواعد اللعبة خطيرة ليس ثمة فتوى رسمية يهودية تسمح بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك ومع ذلك فإن هناك العديد من الجماعات اليهودية، التي يتخذ بعضها عقارات قريبة من المسجد مقارا لها، تعد لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، في حين تنشط جماعات إسرائيلية باقتحام المسجد ومحاولة أداء الطقوس الدينية اليهودية فيه، ومع ذلك فإن الأغلبية من اليهود تتجنب حتى الآن اقتحام المسجد بانتظار صدور فتوى دينية يهودية تسمح بذلك. وبموازاة هذه المحاولات ينشط المئات من الفلسطينيين من سكان القدسالشرقية ومن الداخل الفلسطيني بالوجود في المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح كل يوم لصد أي محاولات من قبل يهود للصلاة في المسجد. ويقوم عشرات المتطرفين اليهود باقتحام المسجد يوميا، فيما عدا أيام الجمعة والسبت، وتزداد وتيرة هذه الاقتحامات مع حلول الأعياد اليهودية وهي كثيرة. ويؤكد الخطيب "نلحظ أن اللهجة الإسرائيلية ضد المسجد بدأت تتصاعد، فإضافة إلى الاقتحامات فإنهم يقولون صراحة إنهم يريدون إقامة الهيكل على أنقاض قبة الصخرة، وهناك دعوات علنية لتقسيم المسجد زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود، ودعوات أخرى لتمكين اليهود من الصلاة في المسجد فضلا عن التحريض على الأوقاف الإسلامية ومحاولة سحب صلاحيات الأوقاف، أو الإدعاء بأن ساحات المسجد هي ساحات عامة، كل هذه الدعوات والأقوال خطيرة للغاية". وأضاف "تتوجب الإشارة إلى أن هذه الدعوات تصدر عن مسؤولين في أحزاب إسرائيلية تحكم إسرائيل الآن وهو ما يجعل خطورتها مضاعفة، إنهم بصراحة يحاولون تغيير قواعد اللعبة وهذا خطير". آخر الدعوات الإسرائيلية كانت اقتراحا بأن يبحث الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي بكامل هيئته نقل المسؤولية عن المسجد الأقصى من الأردن إلى إسرائيل، غير أن رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي إدلشتاين قرر إرجاء المداولات بسبب الاحتجاج من قبل الحكومة الأردنية والمجتمع الدولي. ويرى الشيخ الخطيب أن إلغاء المداولات الإسرائيلية هو بمثابة تأكيد آخر على أن الرعاية الأردنية للمسجد الأقصى هي سد منيع أمام محاولة الحكومة الإسرائيلية وضع يدها على المسجد الأقصى. وقال إن" الدعوات الإسرائيلية هذه هي مخالفة صريحة للبند التاسع من اتفاق السلام الأردني-الإسرائيلي الذي تم برعاية أميركية، وعليه فإنه لا يمكنهم أن يقرروا ما يريدون فهذا خطير للغاية".