يظهرن وقد ارتدين البزة العسكرية، وضربن على وجوههن اللثام الأسود، حاملات بأيديهن أدوات الموت.. هذا هو حال مجندات تنظيم "داعش" اللائي ظهرن فجأة على السطح، في مؤشر يعكس استمرار التنظيمات الإرهابية في استباحة النساء في كل زمان ومكان. ثمن الالتحاق بالكتائب العسكرية النسائية ل"داعش"، لا يتجاوز ال200 دولار شهريا، والشرطان هما؛ أن تكون الملتحقة بالكتائب "عزباء"، وألا يقل عمرها عن 18 عاما ولا يزيد على 25. تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية المعروف اختصارا ب"داعش"، قرر منح المرأة مساحة أكبر في القتال، معلنا عن تشكيل كتيبتين نسائيتين هما "الخنساء" و"أم ريان" تشكلهما نساء قدمن من روسيا وتونس والشيشان واليمن، وتتلخص مهمتهما في كشف معارضي التنظيم، الذين يمرون عبر الحواجز متنكرين في ثياب نسائية. كتيبة "الخنساء" يقدر عددها ب60 امرأة، وتتخذ من الرقة مقرا لها. مصادر مطلعة تشير إلى أن المسؤولة عن هذه الكتيبة تدعى أم "مهاجر". وهي تونسية قدمت من العراق إلى الرقة برفقة زوجها، بعد أن زوجت ابنتيها لبعض كبار المسؤولين في التنظيم. محللون وخبراء نفسيون أكدو ل"الوطن"، أن إنشاء كتائب عسكرية نسائية يعد "حيلة" ابتكرها مدعو الجهاد للزج بهن في عمليات انتحارية. عرفت التنظيمات الانتحارية أو ما بات يطلق عليها "الجهادية" باعتمادها على العنصر الرجالي في كل أعمالها العسكرية، كما عرف أنصار هذه التنظيمات بأن لديهم حساسية في الغالب من التعامل مع العنصر النسوي، وإن كانت هناك بعض الحالات القليلة التي شهدت استخدام النساء في عمليات انتحارية، إلا أنها في الآخر تظل حالات استثنائية أو فردية. وخلال الفترة التي تلت سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين أشارت الإحصاءات إلى أن نصف العمليات الانتحارية التي شهدها العراق نفذتها نساء. وكانت أولى تلك العمليات الانتحارية التي نفذتها امرأة تابعة لتنظيم "القاعدة" هي ما وقع في بلدة القائم عام 2004، مستهدفة تجمعاً لمتطوعي الأجهزة الأمنية. وهناك تقارير تشير إلى أن أغلب "الانتحاريات" يتزوجن من عناصر تنظيم القاعدة بتشجيع من الأب أو الأخ المتعاطف مع ذلك الفكر، وربما عند مقتل الزوج يجبرونهن على القيام بعمليات انتحارية، رغم تعارض هذا الأمر مع طبيعة المرأة، والدليل على ذلك استسلام الانتحارية "رانيا إبراهيم" لنقطة التفتيش في "بعقوبة" قبل تنفيذ المهمة الموكلة إليها. ومع انتقال بعض التنظيمات المسلحة من العراق إلى سورية، يبدو أنها قررت منح المرأة مساحة أكبر في القتال ضد حزب الله والحرس الثوري الإيراني والفصائل العراقية والجيش السوري النظامي. لذلك بات المتابع يسمع بما يعرفن باسم "الداعشيات"، اللواتي دخلن المعركة في سورية، حيث أعلن التنظيم المتشدد عن تشكيل كتيبتين نسائيتين هما "الخنساء" و"أم ريان"، مهمتهما كشف معارضي "داعش"، الذين يمرون على الحواجز متنكرين في ثياب نسائية إلى جانب تفتيش النساء. أما بالنسبة للبنان، فيبدو أن الصورة لا تختلف كثيراً عن نظيرتها في سورية، إلا في بعض التفاصيل، فلبنان الذي وجد نفسه في مأزق أمني عقب تدخل حزب الله في الحرب السورية وقتاله إلى جانب النظام السوري، أصبح ميداناً للعمليات الانتحارية، حيث شهدت لبنان العديد من العمليات الانتحارية التي استخدمت فيها الأحزمة الناسفة، والسيارات المفخخة، إضافة إلى التهديد بتفجير مفخخات في بعض المناطق. إلا أن اللافت في هذه العمليات هو دخول العنصر النسائي على الخط، حيث تؤكد الأجهزة الأمنية اعتقال العديد من الإرهابيات وهن يحملن الأسلحة الرشاشة والقنابل والذخيرة الحية باسم الجهاد. خلال الأسبوع الماضي، أعلن الجيش اللبناني عن ضبط سيارة رباعية الدفع أثناء خروجها من عرسال متجهة إلى البقاع، بداخلها 3 نساء، نجحت إحداهن كما تقول التحقيقات في إخفاء 100 كيلو جرام من المتفجرات. وهو ما عده مراقبون تطوراً دراماتيكياً مهماً يعلن عن دخول النساء على خط العمليات العسكرية، لأنهن في أغلب الأحيان لا يخضعن للتفتيش على الحواجز الأمنية. وكانت قيادة الجيش اللبناني قد انتبهت لهذا الخطر الجديد، لاسيما بعد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" عن إنشاء كتيبة نسائية، وبالتالي لم تعد المرأة خارج دائرة الاشتباه. وهذا ما دفع الجيش إلى إنشاء وحدة خاصة لتفتيش النساء على الحواجز الأمنية في المناطق الحساسة. غسل الدماغ ويقول الباحث المتخصص في الإرهاب السياسي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد هشام جابر "هناك تطور ملحوظ في العمليات العسكرية الإرهابية التي تستهدف لبنان، بدءا بالسيارات المفخخة ثم استهداف وسائل النقل العام بواسطة انتحاريين، وأخيرا استخدام النساء لنقل المتفجرات، هذا أمر طبيعي. ولم يشكل مفاجأة بالنسبة لي، لأن المرأة كما الرجل تتعرض لغسيل دماغ يقنعها بالقيام بهذه الأعمال. كما أن دخول المرأة على الخط يعتبر أحد أشكال الحرب النفسية التي تمارسها القوى الإرهابية على لبنان، خصوصا أن معظمهن شابات صغيرات في السن، يسهل تطويعهن، فلا يمكن إيقاف اندفاعهن الناتج عن ولعهن بالفكرة التي زرعت في رؤوسهن". ويرى جابر أن ما أعلنته "داعش" عن إنشاء كتائب عسكرية نسائية لا يشذ عن سياق عام لا يستثني النساء من العمليات الانتحارية. ويدلل على ذلك بالحادثة الأخيرة التي وقعت في روسيا، وقبلها في العراق والأردن، حيث شكلت حادثة استهداف امرأة للمخرج الفلسطيني مصطفى العقاد انعطافة مهمة في قيام النساء بعمليات انتحارية. كما يؤكد جابر أن مثل هذه الأمور لو حصلت في لبنان ستزيد رقعة الإرهاب. شروط التطرف! وبالعودة إلى تنظيم "داعش" الذي حدد شروط انتساب النساء إلى كتائبه العسكرية، في مقدمتها أن تكون عزباء، وأن يتراوح عمرها بين 18 إلى 25 سنة، مما يخولها تقاضي 25 ألف ليرة سورية شهرياً، أي ما يعادل 200 دولار أميركي، ليصل عدد النساء في كتيبة "الخنساء" التي شكلها التنظيم المتطرف في مدينة الرقة إلى 60 امرأة. وتشير مصادر مطلعة إلى أن المسؤولة عن هذه الكتيبة تدعى أم "مهاجر". وهي تونسية قدمت من العراق إلى الرقة برفقة زوجها، ضمن عشرات من عناصر "داعش"، بعد أن زوجت ابنتيها لبعض كبار المسؤولين في التنظيم. وتتولى "أم مهاجر" مهمة الإشراف على جلد النساء المخالفات في المدينة. وهذا ما يؤكد على تصريحات صحفية أشارت إلى استقدام التنظيم لنساء من خارج سورية، وتحديداً من روسيا وتونس والشيشان واليمن، لإشراكهن في الدوريات الأمنية في الطرقات بعد الزواج منهن. في حين تقوم النساء المتطوعات في كتيبة "الخنساء" بمحاسبة الأخريات في الرقة والتجول في الطرقات وتفتيش النساء. ويواصل جابر قائلاً "الانتحاريات أو النساء المكلفات بعمليات إرهابية أو المقاتلات لا يختلطن بالرجال، بل يعملن في فرق نسائية مغلقة، لسبب أساسي وهو قدرة المرأة على إقناع النساء. وهذا ما ينطبق على ما عرف بجهاد النكاح، حيث استقدمت "داعش" وغيرها نساء لتزويجهن بالمجاهدين في سورية، ثم اكتشفن حقيقة المطلوب منهن عند وصولهن إلى سورية، بعد أن ظنن أنهن ذاهبات للجهاد، مما دفع الكثيرات للعودة إلى بلادهن. أما من بقين هناك فتم تطويعهن لتدريبهن على القتال، بعد انتقائهن بدقة في جلسات دينية مدعمة بأحاديث نبوية غير صحيحة ومختلقة. والمفارقة هنا أن المرأة تخضع لنفس غسيل المخ كما الرجل، حيث يقدم لها المال لتأمين عائلتها، إضافة إلى إقناعها بجزاء كبير وسعادة في الجنة بعد موتها". مجتمع "داعشي" وفي مدينة الرقة تؤكد الصور التلفزيونية على انخراط النساء في كتائب "داعش"، التي حددت لباساً خاصاً بعضوات كتيبة "الخنساء"، حيث يرتدين الخمار الأسود مع ثوب أسود طويل. إلا أن التنظيم المتطرف نفى أن تكون الكتيبة حكراً على الفتيات غير المتزوجات، لأنها تضم حسب تصريحات قيادييه نساءً متزوجات وفتيات لم يتزوجن بعد. ويشير المراقبون إلى أن الرقة تستقبل من وقت لآخر حافلات ممتلئة بالرجال والنساء المنتمين إلى تنظيم الدولة، مما يعني احتلالهم للمدينة بشكل كامل وتأسيسهم عائلات من نفس الفكر العقائدي. وهنا تقول المعالجة النفسية د. نجاة إبراهيم "لا يمكن الجزم باستمرار السلوك الناعم للمرأة، الذي يتوقف على تربيتها وشخصيتها. لكننا لا نقبل ممارستها العنف الخارج عن طبيعتها الفطرية. لذلك عندما تقع تحت تأثير غسيل الدماغ والأفكار تتجه نحو التعصب وإلغاء الآخر، مما يجعلها غير قادرة على التعاطي معه، فتلجأ أحياناً إلى العنف وإيذاء الناس، مما يعيد المجتمع إلى التوحش، وتكريس القوة لغة وحيدة للتعاطي بين الناس، وعندما تمارس المرأة الإرهاب في صوره العنيفة فهذا يعني تخطيها لمشاعر الأمومة والعاطفة المؤسسة لكيانها الإنساني، مما يعني أنها تعاني من حالة نفسية غير سوية قد تدفعها نحو القتل أو الانتحار المحرم". تفلت الغريزة وترجع إبراهيم دخول المرأة إلى عالم التطرف والإرهاب إلى شعورها بالحرمان، وإحساسها بالقهر، ورغبتها في التشفي من الآخرين، حيث وجدت مكاناً لتفريغ طاقتها بالانتقام من الآخر باستخدام السلاح. وتضيف "مثل هذه تكون امرأة فشلت في إثبات نفسها في الحياة لذلك تسعى إلى تدمير المجتمع الذي لم تجد فيه مكاناً لنفسها. وهذا يفسر المشاهد التلفزيونية التي أظهرت كفاءة نساء "داعش" في استعمال الأسلحة. "لقد خلعن لباس الأنوثة بعد أن فقدن هويتهن، وتماهين مع ما يفعله الرجل الذي يشكل مصدر قوتهن. وهذا يفسر طلب فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين 18 إلى 25 سنة، يسهل التأثير عليهن من أجل تنفيذ أهداف معينة دون نقاش، بعد أن تفلتت الغرائز والعصبيات من عقالها باسم الدين". تحريض المحارم أما في العراق، فقد أفادت معلومات بالقبض على 4 عناصر من تنظيم "داعش" بينهم امرأة تشغل منصباً مرموقاً يعرف ب"أميرة النساء" في غربي مدينة الرمادي. وتبلغ هذه السيدة التي تكنى ب"أم المقداد" 45 عاماً. وهي المسؤولة عن تجنيد النساء في محافظة الأنبار. كما أعلنت سيدة أخرى أطلقت على نفسها اسم "ندى" عن سفرها إلى أرض الشام، بهدف الجهاد وتنفيذ عملية انتحارية، بعد التحاقها بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. في ذات السياق يقول المفكر والباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية الدكتور رضوان السيد "لن تقوم النساء بعمليات انتحارية في لبنان. ولن يستهدفن المجمعات التجارية والمساجد كما تردد مؤخراً، لأن هذا يتناقض مع منهج الجهاديين، الذين يحصرون هذه المهمة في الرجال دون النساء، خوفاً من كشف عورتها عند فشل العملية، أو تعرضها للتعذيب، مما يشكل إهانة لكرامتهن وعرضهن. إلا أن "داعش" عودتنا على كل الأمور الجنونية، مما يعني احتمال استعمالها للنساء في العمليات الإرهابية. إلا أنها لم تقدم على ذلك حتى الآن. أما ما شاهدناه على شاشات التلفزة من كتائب عسكرية نسائية فهو لا يخرج عن سياق الاستعراض. لقد ظهرن حاملات حقائب اليد وكأنهن متجهات إلى زيارة خاصة وليس ساحة حرب! وعموما هذا الأمر ليس مهما لدى الإسلاميين سواء المتشددون منهم أو المعتدلون، فلا شعبية لدى هؤلاء في إقحام النساء في القتال. وإذا وجدت امرأة ضمن المقاتلين أو عرفت عن نفسها بأنها تنتمي إلى كتيبة معينة فهي لا تعدو كونها ظاهرة محلية، أو أحد نشاطات الجيش السوري النظامي، اللواتي يقتصر عملهن على توزيع الأغذية والتمريض، دون إرسالهن إلى جبهات القتال". غطاء نسائي إلا أن العميد جابر يختلف مع هذه الرؤية قائلاً "لقد أعلن لبنان ساحة جهاد أمام النساء والرجال بعد مشاركة حزب الله في الحرب السورية، وبالتالي سيتم استخدام الرجال والنساء وحتى الأطفال لتحقيق الأهداف الإرهابية، من أجل ضرب الاستقرار اللبناني، وتنفيذ أجندتهم السياسية، وفرض قوانينهم الخاصة. والأهم من هذا كله نسخ نموذج الرقة والحسكة في سورية ولبنان، تمهيداً لبناء الدولة الإسلامية في العراق والشام ولبنان". وينفي السيد صحة ما تردد بخصوص جهاد النكاح، ويقول "هؤلاء قدموا من أوروبا والولايات المتحدة وباقي دول العالم، بحثا عن المغامرة والسفر وحمل السلاح والدخول في حروب. وهذا ما حدث أثناء حرب فيتنام والحروب طويلة الأمد كالتي قام بها الماويون مثلا. حيث يعاني هؤلاء من الملل الشديد، مما دفعهم إلى اعتناق الإسلام من أجل الالتحاق بتنظيم مسلح. وهذا يعني أنهم غير متدينين بالشكل الكافي! أما جهاد النكاح فقصة اخترعتها أجهزة إعلامية مناصرة للنظام السوري. وهذا لا يلغي زواج المقاتلين من النساء القادمات إلى سورية، لكنهم يحافظون على سرية هذه الأمور، حيث لا يشغل بالهم كما يدعون سوى إقامة حكم الإسلام الآن". أهداف استخبارية من جانبها، تؤكد الكاتبة والباحثة السياسية الدكتورة منى فياض أن كل ما يروج في وسائل الإعلام عن مشاركة النساء في القتال في سورية ولبنان، وإمكانية قيامهن بعمليات انتحارية لا يخرج عن إطار الحرب النفسية والأعمال الاستخباراتية. وتقول "لم تنخرط المرأة في الكتائب العسكرية من تلقاء نفسها، بل تم استقدامها للمشاركة في الحرب، خصوصا أنها لا تقل عنفاً عن الرجل، تبعاً لمنظومة العنف السائدة في المجتمعات العربية حالياً. وهي في أغلب الأحيان بعيدة عن الشأن العام، وبالتالي عند دخولها في معمعة الحرب تتحول إلى كائن عنيف، لا يمت بصلة إلى عباءتها الأنثوية بطريقة ربما تتفوق على الرجل. لذلك لن أصدق موضوع مشاركة النساء في القتال في لبنان أو سورية إلا عند حدوث أعمال عسكرية معينة تثبت هذا الأمر لخروجه عن السياق الطبيعي العام! وعموما، إذا وجدت هؤلاء النسوة في تنظيمات عسكرية إرهابية فأعدادهن قليلة جدا. ولن يكون لهن دور محوري كما يروج في الإعلام!".